مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

أسرار التعظيم في اسم الله (المُقِيت) أقرب طريقٍ إلى معرفة الله تعالى وتعظيمه هو …

أسرار التعظيم في اسم الله (المُقِيت)

أسرار التعظيم في اسم الله (المُقِيت)

أقرب طريقٍ إلى معرفة الله تعالى وتعظيمه هو تدبر أسمائه وصفاته التي وردت في القرآن الكريم وسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، واسم الله “المقيت” من الأسماء الحسنى التي يعايش المؤمن آثارها في كل نفسٍ من أنفاسه، فلا حياة لمخلوق بغير قوتٍ يقيمه، والله تعالى وحده معطيها وواهبها ورازقها لجميع مخلوقاته.

ومعنى اسم الله (المقيت) كما ذكر الخطّابي، قال: “المقيت بمعنى: القدير، والمقيت أيضًا: معطي القوت” [شأن الدعاء،ص:68].

وروِيَ عن ابن عباس رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا﴾ [النساء:85] قال: مقتَدِرًا. [تفسير البغوي، سورة النساء].

قال الشيخ السعدي: “المُقِيت الذي أوْصل إلى كل موجود ما به يقتات، وأوْصَل إليها أقواتها وصرّفها كيف يشاء بحكمته وحمده”.  وقال في معنى قوله تعالى: ﴿وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا﴾  [فصلت:10] : بارك فيها فجعلها دائمة الخير لأهلها، وقدر فيها أرزاق أهلها من الغذاء، وما يصلحهم من المعاش.

ولا يدرك المؤمن أسرار تعظيم الله تعالى باسمه (المُقِيت) حتى يتفكر في كثرة عدد المخلوقات من الإنس والجن وممالك الطير والحيوان في البرّ والبحر، وذلك منذ بدأ الخلق إلى أن يرث الأرض ومن عليها، وكيف تكفّل الله تعالى بأرزاقها وأقواتها وما يصلحها، قال تعالى: ﴿وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْزُونٍ﴾ [الحجر:19] قال مجاهد: “مقدور بقدْر” [تفسير الطبري، سورة الحجر].

ومن أسرار العظمة في اسم الله “المُقيت” ملاحظة هذا التوازن الدقيق فيما يرد إلى الأرض ومن فيها من أقوات وأرزاق، وما يخرج منها من العوادم الطبيعية الناتجة عن حياة هذه المخلوقات، لو زاد أحد الجانبين عن الآخر – ولو في مكونات الهواء فقط – لتكدرت الحياة ولم تصلح للعيْش، وهذا (التوازن البيئي) من أكبر الدلائل على عظمة الله تعالى وقدرته على الخلق الدقيق المحكم، وإلى هذا الملمح أشار الحليميّ رحمه الله، يقول: “المُقيتُ: وعِندَنا أنَّه الممِدُّ، وأصلُه مِن القُوتِ الذي هو مَدَدُ البَرِّيَّةِ، ومعناه أنَّه دَبَّر الحيواناتِ بأن جبَلَها على أن يحَلِّلَ منها على مرِّ الأوقاتِ شيئًا بعد شيءٍ، ويُعَوِّضَ ما يتحَلَّلُ غَيرُه، فهو يُمِدُّها في كُلِّ وقتٍ بما جعَلَه قِوامًا لها، إلى أن يريدَ إبطالَ شَيءٍ منها، فيَحبِسَ عنه ما جعلَهَ مادَّةً لبقائِه، فيَهلِكَ” [المنهاج في شعب الإيمان:1/203].

ولمزيد من تعظيم الله تعالى في معاني اسمه “المُقيت” يدعونا القرآن الكريم إلى تصور فقد الأقوات والأرزاق وامتناع أسبابها..فمن يقدر على إيصالها إلى الخلق حينئذٍ ؟!!

قال تعالى: ﴿أَمَّنْ هَٰذَا الَّذِي يَرْزُقُكُمْ إِنْ أَمْسَكَ رِزْقَهُ ۚ بَل لَّجُّوا فِي عُتُوٍّ وَنُفُورٍ﴾ [الملك:21].

والحق أنّ الخلق لا يقدرون على رزق أنفسهم، فكيف بغيرهم؟ فالله هو المُقيت المنعم، الذي لا يصيب العباد نعمة إلا منه، وهو وحده الذي يستحق أن يفرد بالعبادة لا شريك له.

ومن تعظيم الله تعالى باسمه (المقيت) أن يجمع معها معرفة صفاته “الغنيّ” “والواسع” الذي لا تنفد خزائنه:

ف (المقيت) هو المقتدر، الذي يقيت الخلق، وهو (الغنيّ) الذي لا تنفد خزائنه، ولا ينقص ملكه، قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا عِنْدَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحِجر:21] قال الشيخ السعدي:” أي: جميع الأرزاق وأصناف الأقدار لا يملكها أحد إلا الله، فخزائنها بيده يعطي من يشاء، ويمنع من يشاء، بحسب حكمته ورحمته الواسعة”، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: أنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ. وقالَ: يَدُ اللَّهِ مَلْأَى، لا تَغِيضُها نَفَقَةٌ، سَحَّاءُ اللَّيْلَ والنَّهارَ. وقالَ: أرَأَيْتُمْ ما أنْفَقَ مُنْذُ خَلَقَ السَّماءَ والأرْضَ؟! فإنَّه لَمْ يَغِضْ ما في يَدِهِ، وكانَ عَرْشُهُ علَى الماءِ، وبِيَدِهِ المِيزانُ يَخْفِضُ ويَرْفَعُ)) [رواه البخاري:4684].

وتعلّم معني اسم الله تعالى (المُقِيت) يثمر في القلب ألوانًا من التعظيم لله تعالى، مثالها:

– تعظيم الله تعالى بمحبته، المحبة الحقيقية التي تثمر توحيده وإجلاله وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له، لأنه سبحانه هو وحده الخالق الرازق لعباده، والمتكفل بحفظ جميع المخلوقات حياتهم وأرزاقهم وما يصْلِحُ عيْشَهم.

– تعظيم الله تعالى باعتماد القلب عليه وحده في طلب الرزق وجلب المنافع ودفع المضار، مع الأخذ بالأسباب دون أن يعتمد القلب عليها، وهذه هي حقيقة التوكل على الله تعالى، قال عزّ وجلّ: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ﴾ [التوبة:159]، فالمؤمن المعظّم لربه سبحانه باسمه (المُقيت)  تطمئن نفسه ولا تعتريه المخاوف أو يسيطر عليه القلق، فالله تعالى هو المقتدر على سوْق الأقوات إلى جميع الخلائق، وهو الغني الحميد.

– تعظيم الله تعالى بطلب قوت الأرواح والقلوب منه سبحانه، من الإيمان والإخلاص والإخبات والخوف والرجاء والتوكل، وغيرها من أعمال القلوب وعباداتها، فهذا هو القوت الحقيقي الذي لا يضرّ المؤمن إذا حصّله ما فاته من أقوات الأبدان.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

– تيسير الكريم المنان: عبد الرحمن السعدي

– ولله الأسماء الحسنى: عبد العزيز ناصر الجُلَيّل

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop