مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

ولكن انظر إلى عظمة مَنْ عَصَيْت..!

ولكن انظر إلى عظمة مَنْ عَصَيْت..!

يحذر المؤمن الذي يعظّم الله تعالى من المعاصي صغيرها وكبيرها، فهو يمسي ويصبح وهمّه العمل بمرضاة الله والبعد عن كل ما نهى عنه سبحانه، فقلبه ينبض بمحبة مولاه رغبةً ورهبةً له وتوقيرًا وتعظيمًا لجلاله.

وقد يؤدي ضعف تعظيم الله تعالى في قلب العبد إلى التهاون بصغائر الذنوب، وإنه لخطرٌ مهلكٌ لدينه، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال: (إياكم ومحقراتِ الذنوبِ فإنهُنَّ يجتمعنَ على الرجلِ حتى يُهلكنَهُ) [أخرجه أحمد: 3818].

فالهلاك قد يكون بسبب ذنوب صغيرة لا يراها الإنسان شيئاً، بل يحتقرها، وإنما غاب تعظيم الله من قلبه فتهاون بالصغائر وتمادى فيها لغياب وقار الله تعالى في قلبه، وهو ما يحجزه عن المعصية.

وكان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه يضرب مثالًا ليبيّن البوْنَ الشاسع بين المؤمن الذي يعظّم ربّه والفاجر الذي لا يعظّم ربه، وكيف يتهيّب المؤمن من عاقبة ذنبه بينما الآخر لا يحسِب لها حسابًا، وما ذاك إلا من تباين التعظيم والخشية لله تعالى بينهما، فيقول رضي الله عنه: (إنَّ المؤمنَ يرَى ذنوبَه كأنه في أصلِ جبلٍ يخافُ أنْ يقعَ عليه، وإنَّ الفاجرَ يرَى ذنوبَه كذبابٍ وقع على أنفِه قال به هكذا ، فطار). [أخرجه الترمذي:2497].

ويأتي من بعده التابعيّ بلال بن سعد، ليقرر أنّ تعظيم الله تعالى هو أكبر رادعٍ للمؤمن عن اقتراف المعصية، وإن كانت تُعَدُّ من الصغائر، يقول رحمه الله: (لا تنظُرْ إلى صِغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة مَن عصيتَ) [سير أعلام النبلاء: 5/91].

والاستهانة بالمعاصي من آثار الجهل بالله تعالى، ودواؤها التوبة من قريب:

قال تعالى: ﴿إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ [النساء:17] قال الشيخ السعدي: “أي: (جهالة منه بعاقبتها وإيجابها لسخط الله وعقابه، وجهلٌ منه بنظر الله ومراقبته له، وجهل منه بما تؤول إليه من نقص الإيمان أو إعدامه، فكل عاصٍ لله، فهو جاهل بهذا الاعتبار وإنْ كان عالمًا بالتحريم).

وينقذه من عاقبة هذه الجهالة، التوبة من قريب؛ فيتوب الله تعالى عليه، قال عزّ وجلّ: ﴿ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُولَٰئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ﴾ قال ابن عباس رضي الله عنه: ( في الحياة والصحة) [الطبري/سورة النساء].

وكلما ضعُفَ تعظيم الله في قلب العبد استهان بالصغائر واعتادها؛ متكئًا على الرجاء في عفو الله تعالى، وإنما غرتّه الأمانيّ..!!

يقول ابن القيم: (ومن عُقُوبَاتِ الذُّنُوبِ أَنَّهَا تُضْعِفُ فِي الْقَلْبِ تَعْظِيمَ الرَّبِّ جَلَّ جَلَالُهُ، وَتُضْعِفُ وَقَارَهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ وَلَا بُدَّ، شَاءَ أَمْ أَبَى، وَلَوْ تَمَكَّنَ وَقَارُ اللَّهِ وَعَظَمَتُهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ لَمَا تَجَرَّأَ عَلَى مَعَاصِيهِ، وَرُبَّمَا اغْتَرَّ الْمُغْتَرُّ، وَقَالَ: إِنَّمَا يَحْمِلُنِي عَلَى الْمَعَاصِي حُسْنُ الرَّجَاءِ، وَطَمَعِي فِي عَفْوِهِ، لَا ضَعْفُ عَظْمَتِهِ فِي قَلْبِي، وَهَذَا مِنْ مُغَالَطَةِ النَّفْسِ؛ فَإِنَّ عَظَمَةَ اللَّهِ تَعَالَى وَجَلَالَهُ فِي قَلْبِ الْعَبْدِ تَقْتَضِي تَعْظِيمَ حُرُمَاتِهِ، وَتَعْظِيمُ حُرُمَاتِهِ يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الذُّنُوبِ، وَالْمُتَجَرِّئُونَ عَلَى مَعَاصِيهِ مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ، وَكَيْفَ يَقْدِرُهُ حَقَّ قَدْرِهِ، أَوْ يُعَظِّمُهُ وَيُكَبِّرُهُ، وَيَرْجُو وَقَارَهُ وَيُجِلُّهُ، مَنْ يَهُونُ عَلَيْهِ أَمْرُهُ وَنَهْيُهُ؟ هَذَا مِنْ أَمْحَلِ الْمُحَالِ، وَأَبَيْنِ الْبَاطِلِ، وَكَفَى بِالْعَاصِي عُقُوبَةً أَنْ يَضْمَحِلَّ مِنْ قَلْبِهِ تَعْظِيمُ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ، وَتَعْظِيمُ حُرُمَاتِهِ، وَيَهُونُ عَلَيْهِ حَقُّهُ).

وتعظيم الله في أسمائه الحسنى وصفاته العلا هو الطريق إلى توقيره وإجلاله، وإكباره أن يرى عبده يقارف معصيته جلّ وعلا، ومثال ذلك: معرفة الله تعالى بأسمائه: (السميع، والبصير، والرقيب، والشهيد).

فيستشعر أن الله (سميع)، يسمع ما نطق به العبد من قبيح الكلام، و(بصير) يبصر ما يعمله العبد من سيىء الأفعال، وهو كذلك (رقيب وشهيدٌ) عليه في جميع أحواله، قال الشيخ السعدي: “ومن أسمائه الحسنى: (الرقيب) وهو واسمه (الشهيد) مترادفان، كلاهما يدلّ على حضوره مع خلقه، يسمع ما يتناجون به، ويرى ما يخوضون فيه، ويعلم حركات خواطرهم، وهواجس ضمائرهم، وتقلّب لواحظهم، لا يغيب عنه من أمرهم شيء يقولونه أو يفعلونه، كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ وَلا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [يونس:61].

إِذَا مَا خَلَوْتَ الدَّهْرَ يَوْمًا فَلاَ تَقُلْ       خَلَوْتُ وَلَكِنْ قُلْ عَلَيَّ رَقِيبُ 

وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللَّهَ يَغْفُلُ سَاعَـــــــةً        وَلاَ أَنَّ مَا تُخْفِي عَلَيْهِ َغِيبُ

اللهم ارزقنا خشيتك وتعظيمك في السرّ والعلانية واجعلنا من المحسنين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

– الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي:ابن قيم الجوزية

– تيسير الكريم الرحمن:عبد الرحمن بن السعدي

– وما قدروا الله حق قدره: عبد العزيز ناصر الجُلَيّل

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop