مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

خمسة معاني صحيحة لحديث:”مَنْ أحصاها”

خمسة معاني صحيحة لحديث:”مَنْ أحصاها”

لا سَبيلَ إلى مَعرفةِ اللهِ وتعظيمه إلَّا بمعرفةِ أسمائِه وصِفاتِه، والتعمق في فَهمِ مَعانيها. قال تعالى: ﴿قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَٰنَ ۖ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ﴾ [الإسراء:110].

عن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: ((إنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وتِسْعِينَ اسْمًا مِئَةً إلَّا واحِدًا، مَن أحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ)) [رواه البخاري:2736].

قال ابن القيم:”العِلْمُ به تعالى أصلٌ للعِلْمِ بكُلِّ ما سِواه، فالعِلْمُ بأسمائِه وإحصاؤُها أصلٌ لسائِرِ العُلُومِ، فمن أحصى أسماءَه كما ينبغي للمَخلوقِ أحصى جميعَ العُلُومِ” [بدائع الفوائد:1/287].

وقد تعددت الأقوال الصحيحة في المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم:”مَنْ أحصاها”:

قال الخَطَّابيُّ:” لإحصاءُ في هذا يحتَمِلُ وُجوهًا؛ أظهَرُها العَدُّ لها حتى يستوفِيَها، يريدُ أنَّه لا يَقتَصِرُ على بَعْضِها، لكِنْ يدعو اللهَ بها كُلِّها، ويُثني على اللهِ بجَميعِها، فيَستوجِبُ بذلك الموعودَ عليها من الثَّوابِ” [أعلام الحديث:2/1342].

وإنّ من تعظيم الله تعالى في أسمائه وصفاته الإجتهاد في تحقيق إحصائها، ونذكر من أوجه إحصائها الصحيحة ما يأتي:

– عدّها وحفظها عن ظهر قلب، والإحاطَةُ بها لَفظًا ومعنى: 

بمعنى أن يعدّها حتى يستوفيها حفظًا، ويدعو ربه بها، ويثني عليه ويعظّمه بجميعها، كقوله تعالى: ﴿وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا﴾ [الجنّ:28].

– تعلّم حقائقها وفهم معانيها:

فيكون معنى “من أحصاها” أي: من عرفها، وعَقِلَ معانيها، وآمن بها؛ دخل الجنة، وهذا المعنى مأخوذٌ من (الحصاة) وهي العقل. وقال أبو عمر الطلمنكي:”المعرفة بالأسماء والصفات يعني فهم ما تتضمن من الفوائد، وما تدل عليه من الحقائق، ومن لم يعلم ذلك لم يكن عالمًا لمعاني الأسماء، ولم يستفد بذكرها ما تدل عليه من المعاني العظيمة” [فتح الباري:11/226].

وقال العزّ بن عبد السلام: “فَهْمُ معاني أسْماءِ اللهِ تعالى وسيلةٌ إلى مُعامَلتِه بثَمَراتِها، مِن الخَوفِ والرَّجاءِ والمهابةِ والمحبَّةِ والتَّوكُّلِ، وغيرِ ذلك من ثمراتِ مَعرفةِ الصِّفاتِ” [شجرة المعارف والأحوال: 67].

– التضرع والتوسل إلى الله تعالى بها عند الدعاء:

قال تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِهَا﴾ [الأعراف:180] وذلك بأن تجعَلَها وَسيلةً لك عند الدُّعاءِ، فتَقولَ: يا ذا الجَلالِ والإكرامِ، يا حَيُّ يا قَيُّومُ، ومثاله ما ورد عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّهُ كانَ معَ رسولِ اللَّهِ صلّى اللَّه عليه وسلم جالسًا ورجلٌ يصلِّي ثمَّ دعا: (اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ المنَّانُ بديعُ السَّمواتِ والأرضِ يا ذا الجلالِ والإِكرامِ يا حيُّ يا قيُّومُ) فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ: ((لقد دعا اللَّهَ باسمِهِ العظيمِ الَّذي إذا دعيَ بِهِ أجابَ وإذا سئلَ بِهِ أعطى)) [الألباني، صحيح أبو داود: 1495].

 وعند كل مَطلَبٍ يَطلُبُه العَبدُ مِن رَبِّه مِن أمورِ دينِه ودُنياه، فلْيتوسَّلْ إليه باسمٍ مُناسِبٍ له من أسْماءِ اللهِ الحُسنى؛ فمَن دعاه لحُصوِل رِزقٍ فلْيَسأَلْه باسمِه الرَّزَّاقِ، ولحُصولِ رَحمةٍ ومَغفرةٍ فباسمِه الرَّحيمِ الرَّحمنِ البَرِّ الكريمِ العَفُوِّ الغَفُورِ التَّوابِ، ونحوِ ذلك.

– التعبّد لله بمقتضى معانيها في حق الله تعالى:

فإذا عَلِمْتَ أنَّه رَحِيمٌ تَتعرَّضُ لرَحمتِه، وإذا عَلِمتَ أنَّه غَفورٌ تَتعرَّضُ لمَغفرتِه، وإذا عَلِمتَ أنَّه سَمِيعٌ اتَّقَيْتَ القولَ الَّذِي يُغضِبُه، وإذا عَلِمتَ أنَّه بَصيرٌ اجتَنَبْتَ الفِعلَ الَّذي لا يصلح أن يراك عليه.

ومن ذلك التعبد أن يتأثر قلبك بآثارِها:

 فأسماءُ العَظَمةِ والكِبرياءِ والمجْدِ والجَلالِ والهَيبةِ؛ تَملأُ القَلْبَ تَعظيمًا لله وإجلالًا له.

وأسماءُ الجَمالِ والبِرِّ والإحسانِ والرَّحمةِ والجُودِ؛ تملأُ القَلبَ محبَّةً لله وشَوقًا له، وحمدًا له وشُكرًا.

وأسماءُ العِزِّ والحِكمةِ والعِلْمِ والقُدرةِ؛ تملأُ القَلْبَ خُضوعًا لله وخُشوعًا وانكسارًا بين يَدَيه.

وأسماءُ العِلْمِ والخِبرةِ والإحاطةِ والمراقَبةِ والمشاهَدةِ؛ تملأُ القَلبَ مُراقبةً لله في الحَركاتِ والسَّكَناتِ، وحِراسةً للخواطِرِ عن الأفكارِ الرَّدِيَّةِ والإراداتِ الفاسِدةِ.

وأسماءُ الغِنى واللُّطفِ؛ تملأ القَلبَ افتقارًا واضطرارًا إليه، والتفاتًا إليه في كُلِّ وقتٍ وفي كُلِّ حالٍ.

– التخلق بمقتضىى أسمائه تبارك وتعالى التي يحب من عبده أن يتصف بها:

وذلك بالنظر إلى الصفات التي يَحْسُن من المخلوق أن يتصف بها، بخلاف الصفات المختصة بالله تعالى كالخلق والرزق والأولهية، ونحو ذلك، فلا يدخل في هذا الباب من معاني الإحصاء. [مجموع فتاوى ابن باز:1/133].

ومثاله: عن يعلى بن أمية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ اللَّهَ حييٌّ سِتِّيرٌ يحبُّ الحياءَ والتَّستُّرَ فإذا اغتسلَ أحدُكم فليستتِر)) [هداية الرواة/ابن حجر العسقلاني:1/236].

وعن سعد بن أبي وقّاص أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:” إنَّ اللهَ كريمٌ يُحبُّ الكُرَماءَ، جوادٌ يُحبُّ الجَوَدَةَ ، يُحبُّ معاليَ الأخلاقِ ، و يكرَهُ سَفْسافَها” [الألباني/صحيح الجامع:1800].

 إن هذه المعارِفُ التي تحصُلُ للقُلوبِ بسَبَبِ إحصاء أسماء الله وصِفاتِه وتعَبُّدِه بها لله، هي أفضَلُ العطايا مِنَ اللهِ لعَبْدِه، وهي رُوحُ التَّوحيدِ، وبها يعرف المؤمن كيف يعظّم الله تبارك وتعالى. 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

– القول السديد : عبد الرحمن السعدي

– النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى: محمد الحمود النجدي

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop