مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

عظمة الله تعالى تتجلَّى في ممالك الطير

عظمة الله تعالى تتجلَّى في ممالك الطير

لا تكاد عيْن الناظر المتفكّر في ملكوت السموات والأرض تخطئ آيات قدرة الله تعالى وعظمته في انتظام خلْقه، وتعدد عوالمه، ومن أعظمها عالم الطيور الكبير عددًا وأنواعًا، والذي خلقه الله على هيئة عجيبة من القدرة على الطيران في جوّ السماء، لا تدع مجالًا للشك في وحدانية خالقه وعظيم قدرته واقتداره جلّ وعلا.

وقد جاء الاحتجاج على الكفّار بتسخير الطير في القرآن الكريم، برهانًا ساطعًا على عظمة الله تعالى في قدرته على الخلق وإبداع صنوفه وأنواعه وهدايته لمصالح عيْشه، قال تعالى: ﴿أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ ۗ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [النحل:79] قال الطبري: (أي: ما طيرانها في الجوّ إلا بالله، وبتسخيره إياها بذلك، ولو سلبها ما أعطاها من الطيران لم تقدر على النهوض ارتفاعًا، إن في تسخير الله الطير، وتمكينه لها الطيران في جوّ السماء، لعلامات ودلالات على أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأنه لا حظّ للأصنام والأوثان في الألوهية) [تفسير الطبري: سورة النحل].

ومن دلائل عظمته سبحانه في خَلقِ الطيْر أنه جعلها أممًا وجماعات، مثل أمم بني آدم، وهداها إلى مسالك عيْشها وتحصيل منافعها، وذلك حقًا من عجائب خَلْقِ الله تعالى، وآيات عظمته الباهرة تبارك وتعالى.

قال تعالى: ﴿وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُم ۚ مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن شَيْءٍ ۚ ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ [الأنعام:38] قال الشيخ السعدي: (أي: جميع الحيوانات، الأرضية والهوائية، من البهائم والوحوش والطيور، كلها أمم أمثالكم خلقناها كما خلقناكم، ورزقناها كما رزقناكم، ونفذت فيها مشيئتنا وقدرتنا، كما كانت نافذة فيكم). وقوله تعالى: ﴿ثُمَّ إِلَىٰ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ﴾ أي: (جميع الأمم تحشر وتجمع إلى الله في موقف القيامة، في ذلك الموقف العظيم الهائل، فيجازيهم بعدله وإحسانه، ويمضي عليهم حكمه الذي يحمده عليه الأولون والآخرون، أهل السماء وأهل الأرض) [تفسير السعدي: سورة الأنعام].

كما تتجلّى عظمة الله تعالى ومعاني أسمائه: الخالق، البديع، الواسع، في اتساع ممالك الطير وكثرة أعداده الهائلة وفصائله المتنوعة..

فعلى كوكبنا يوجد نحو 50 مليار طائر يجوبون سماء الكرة الأرضية، تتنوع فصائلها لتصل إلى نحو 10000 نوع من الطيور..!

وكل هذه الطيور تعرف ربّها جلّ وعلا، وتسبح بحمده تعظيمًا وتمجيدًا لجلاله تبارك وتعالى، قال تعالى: ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ ۖ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾ [النور: 41]. قال الشيخ السعديّ: (أي: كلٌ له صلاة وعبادة بحسب حاله اللائقة به، وقد ألهمه الله تلك الصلاة والتسبيح، إما بواسطة الرسل، كالجن والإنس والملائكة، وإما بإلهام منه تعالى، كسائر المخلوقات غير ذلك).

ومن عظمته جلّ وعلا تفرّده بمنحها القدرة على الطيْران وإمساكها في أعالي الجوّ؛ فتتوازن ولا تقع ولا تطيح، فتدبير أمور الطير من دلائل تعظيم الله تعالى وأنه القدير البصير بدقائق خلقه تبارك وتعالى.

قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صَافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ۚ مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَٰنُ ۚ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ﴾ [الملك:19] “وهذا عتابٌ – للكفار – وحثٌ على النظر إلى حالة الطير التي سخرها الله، وسخر لها الجو والهواء، تصف فيه أجنحتها للطيران، وتقبضها للوقوع، فتظل سابحة في الجو، مترددة فيه بحسب إرادتها وحاجتها” [تفسير السعدي: سورة الملك].

ولو فصّلنا القول في أحوال الطير وهيئاته لما توقفت قلوبنا عن تعظيم الله تعالى مسبّحين بحمده ومعظّمين لجلاله، ولابن القيم رحمه الله تفصيل ماتع في التفكر في عظمة الله تعالى في خلق ممالك الطير:

يقول ابن القيم رحمه الله: (ثمَّ تَأمل جسم الطَّائِر وخلقته، فَإِنَّهُ حِين قُدّر بَأن يكون طائرًا فِي الجو خفف جِسْمه وأدمج خلقته وَاقْتصر بِهِ من القوائم الأربع على اثْنَتَيْنِ وَمن الأصابع الْخمس على أرْبَعْ، وَجعل فِي جناحيْه وذَنَبِه ريشات طوال متان لينهض بهَا للطيران، وكَسَى جِسْمه كُله الريش، ليتداخله الْهَوَاء فيحمِلَه، وَخلق لَهُ منقار صلب يتَنَاوَل بِهِ طَعَامه فَلَا يتفسخ من لقط الْحبّ وَلَا يتعقف من نهش اللَّحْم، ثمَّ اقْتَضَت الْحِكْمَة أن جعل يبيض بيضًا وَلَا يلد ولادَة لِئَلَّا يَثْقُل عَن الطيران، وكل طَائِر فَلهُ نصيب من طول السَّاقَيْن والعنق ليمكنه تنَاول الطّعْم من الأرض.

ثمَّ تَأمل هَذِه العصافير كَيفَ تطلب أكلها بِالنَّهَارِ كُله فَلَا هِيَ تفقده وَلَا هِيَ تَجدهُ مجموعًا معدًا، بل تناله بالحركة والطلب فِي الْجِهَات والنواحي، فسبحان الَّذِي قدره ويسره كَيفَ لم يَجعله مما يتعذر عَلَيْهَا إِذا التمسته ويفوتها إِذا قعدت عَنهُ وَجعلهَا قادرة عَلَيْهِ فِي كل حِين؟!.

فمن نظر في هيئة الطيور وأحوالها واعتبر فيها، دلته على قدرة الباري، وعظمته، وعنايته الربانية، وأنه الواحد الأحد، الذي لا تنبغي العبادة إلا له وحده لا شريك له.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

– تيسير الكريم الرحمن:عبد الرحمن بن السعدي

– أفلا تتفكرون: عبد العزيز ناصر الجُلَيّل

– مفتاح دار السعادة:ابن قيم الجوزية

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop