مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

سِرُّ التلازمِ بين الإخلاص وتعظيم الله تعالى

سِرُّ التلازمِ بين الإخلاص وتعظيم الله تعالى

إنّ قيمة تعظيم الله تعالى تبدأ بمعرفة أنه الإله الحق الواحد الأحد، ومعرفة صفاته العظيمة وأفعاله الجسيمة، ومن ثَمَّ إخلاص العبادة له وحده سبحانه، والتبرؤ من الشرك كبيره وصغيره، فهما متلازمان في قلب المؤمن، يقول الشيخ السعدي:

“إن أكبر علامات تعظيم العبد لله تعالى هي توحيد الله عزّ وجلّ وعبادته وحده لا شريك له، والخلوص من جميع أنواع الشرك صغيره وكبيره، قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ ٱللَّهَ فَٱعۡبُدۡ وَكُن مِّنَ ٱلشَّٰكِرِينَ * وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَٱلۡأَرۡضُ جَمِيعًا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِ وَٱلسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾ [الزمر:65 – 67]، فما قدر الله حق قدره، ولا عظّمه التعظيم الذي يليق به من أشرك معه أحدًا من خلقه”.

وقد أمر الله سبحانه وتعالى العباد بتعظيمه وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له، قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَّهُ دِينِي﴾ [الزمر:14] أي: مفردًا له طاعتي وعبادتي، لا أجعل له في ذلك شريكًا، ولكني أفرده بالألوهية، وأبرأ مما سواه من الأنداد والآلهة. [تفسير الطبري: سورة الزمر].

و قال تعالى:﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ أي: عظّمه وأجلَّه بالإخبار بأوصافه العظيمة، وبالثناء عليه، بأسمائه الحسنى، وبتجميده بأفعاله المقدسة، وبتعظيمه وإجلاله بعبادته وحده لا شريك له، وإخلاص الدين كله له.

وهذا التلازم مركوزٌ في وجدان المخلوقات التي تعرف الله تعالى وتعظّمه وتنزهه عن الشريك والولد، قال تعالى: ﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَٰنُ وَلَدًا * لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾ [مريم: 88 – 90]  عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما في تفسيرها: “إن الشرك فزِعَتْ منه السماوات والأرض والجبال، وجميع الخلائق إلا الثقلين، وكادت أن تزول منه لعظمة الله” [تفسير الطبري: سورة مريم].

وإذا كان الإخلاص هو: صرف العمل مُتقربًا به إلى الله وحدَه لا رياءً ولا سمعةً، ولا طلبًا للدنيا، ولا تصنُّعًا للخلق؛ وإنما يرجو به ثواب الله تعالى، ويخشى عقابه، ويطمَع في رضاه، فإن العبد لا يصل إلى الإخلاص حتى يكون معظّمًا لله تعالى، فإن تعظيم الله تعالى في قلب المؤمن هو الذي يحجزه عن الشرك هيْبةً وتعظيمًا لله تعالى، ويجعله منتبهًا إلى دواخل الشرك الخفي الذي هو أخفى من دبيب النمل.

وكلما زادت معرفة العبد لله تعالى بأسمائه وصفاته؛ زاد إخلاصه له وزاد تعظيمه لجلاله في قلبه، يقول العلامة الشنقيطي: “إن الإنسان إذا سمع وصفًا وصفَ به خالق السموات والأرض نفسَهُ، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم، فيملأ صدره من التعظيم، ويجزم بأن ذلك الوصف بالغ من غايات الكمال والجلال والشرف والعُلُوّ ما يقطع جميع علائق أوهام المشابهة بينه وبين صفات المحلوقين، فيكون القلب معظّمًا له جلّ وعلا” [منهج ودراسات لآيات الأسماء والصفات:36]. 

وهذا التلازم بين تعظيم الله تعالى وإخلاص العبادة له يريح القلوب من شتاتها واضطرابها، ويجعلها تسكن إلى ربها ومعبودها، وتقطع التعلق بمن لا يملكون شيئًا، ولا يقدرون على شيء إلا بما أقدرهم الله عليه، ولا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا؛ فضلاً عن أن يملكوه لغيرهم!!

وقد ضرب الله تعالى مثلاً لمن يعبد إلهًا واحدًا، هو الله عز وجل، ومن تَنَازَعَهُ آلهة شتى يستعبدونه ويمزقونه، قال تعالى: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر:29]
كما أنه يقطع من قلبه التعلق بالمخلوق، ويوحد وجهته، وطلبه، وقصده لخالقه، وبارئه، ومعبوده (الواحد الأحد الصمد)، فيستريح ويطمئن، لأنه أسلم وجهه وقلبه لله وحده، ولم يتوجه لوجهات متعددة ، وشركاء متشاكسين، يعيش بينهم في حيرة وقلق وصراع مرير.

وقد كان في توجيه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته تلازمًا واضحًا بين النهي عن قوادح التوحيد، وتعظيم الله تعالى، حتى لو كان بألفاظ لا يقصد قائلها الشرك، وذلك من باب الاحتياط لسلامة التوحيد وتجنبًا لصغير الشرك قبل كبيره، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنَّ رجلًا قال للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ما شاء اللهُ وشئتَ فقال لهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: أجعلتني للهِ عدلًا؟ (شبيهًا ومساويًا) بل ما شاء اللهُ وحدَهُ” – تخريج المسند لشاكر:3/253 – فأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يستبدل هذه اللفظة بلفظة التّوحيد والتعظيم فيقول: ما شاء الله وحده.

فالمؤمن المعظّم لله تعالى يجب عليه أن يراعي ألفاظه وما يجري على لسانه في ما اعتاده من الكلام أن يتفق مع عقيدة التوحيد، وألا يتلفظ بالفاظ ترادف معاني الشرك وإن لم يقصد ذلك، وكل ذلك حفظًا للتوحيد وتعظيمًا لله تعالى في وحدانيته.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

– تيسير الكريم الرحمن: عبد الرحمن السعدي

– وما قدروا الله حق قدره:عبد العزيز ناصر الجُلَيّل

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop