ألِظُّوا بيا ذَا الجلالِ والإكرامِ
من أفضل القربات إلى الله تعالى تعلّمُ أسمائه الحُسْنى وصفاته العُلا من القرآن العظيم، والسنة المطهرة؛ لأن هذا العلم الشريف مما يعين على تعظيم الله، وتقديسه، وسؤاله بأسمائه وصفاته.
ومن أسماء الجلال التي وردت مقترنةً مرتين في القرآن الكريم: اسم الله تعالى (ذو الجلال والإكرام)، قال تعالى: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَام﴾ [الرحمن:27]، وفي خاتمة السورة، قال تعالى: ﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن:78].
وهذا الاسم معانيه كلها تعود إلى تعظيم الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله:
قال الخطّابي: “والمعنى: أنَّ اللهَ جَلَّ وعَزَّ مُستَحِقٌّ أن يُجَلَّ ويُكرَمَ فلا يُجْحَد، ولا يُكفَرَ به، وقد يحتَمِلُ أن يكونَ المعنى أنَّه يُكرِم أهلَ ولايتِه، ويَرفَعُ دَرَجاتِهم بالتوفيقِ لطاعتِه في الدُّنيا، ويُجِلُّهم بأن يتقَبَّلَ أعمالَهم، ويرفَعَ في الجِنانِ دَرَجاتِهم” [شأن الدعاء].
قال الشيخ السعدي: “ذو الجلال والإكرام أي: ذو العظمة، والكبرياء، وذو الرحمة، والجود، والإحسان العام، والخاص، المكرم لأوليائه، وأصفيائه الذي يجلونه ويعظمونه ويحبونه”.
وفي تعظيم الله تعالى باسمه (ذو الجلال والإكرام) وجهان للتعظيم: تعظيمٌ بإخلاص التوحيد، وتعظيمٌ بإثباتٌ الصفات، على معنى: أن للعباد ربًّا يستحق عليهم الإجلال والإكرام، وأن هذا الحق لا يُصْرَف إلا لله تعالى وحده لا شريك له.
وقد علّمنا النبي ﷺ عند الدعاء أن نلزم هذا الاسم ونلحّ به: عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: ((أَلِظُّوا بيَا ذَا الجَلالِ والإكرامِ)) [رواه أحمد: 4/177]. قال الشيخ السعدي: “وهذان الوصفان العظيمان للربّ يدلان على كمال العظمة والكبرياء والمجد والهيبة، وعلى سعة الأوصاف وكثرة الهبات والعطايا، وعلى الجلال والجمال، ويقتضيان من العباد أن يكون الله هو المعَظَّم المحبوب الممَجّد المحمود، المخضوع له المشكور، وأن تمتلئ القلوب من هيبته وتعظيمه وإجلاله ومحبته والشوق إليه”.
ومعنى (ألظُّوا): داوموا على قولكم ذلك في دعائكم واجعلوه على لسانكم؛ لما في هذه الكلمات من الثناء التام لله تعالى، ووصفه بصفات الكمال والعظمة.
ويتأكد التضرع والتوسل إلى الله تعالى بهذا الاسم العظيم (ذو الجلال والإكرام) تعظيمًا وتمجيدًا عند الدعاء:
لإخبار النبي ﷺ بأنه من جملة دعاءٍ قد احتوى على اسم الله الأعظم، عن أنس رضي الله عنه أنَّهُ كانَ معَ رسولِ اللَّهِ ﷺ جالسًا ورجلٌ يصلِّي ثمَّ دعا: “اللَّهمَّ إنِّي أسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ لا إلَهَ إلَّا أنتَ المنَّانُ بديعُ السَّمواتِ والأرضِ يا ذا الجلالِ والإِكرامِ يا حيُّ يا قيُّومُ، فقالَ النَّبيُّ ﷺ: ((لقد دعا اللَّهَ باسمِهِ العظيمِ الَّذي إذا دعيَ بِهِ أجابَ وإذا سئلَ بِهِ أعطى)) [الألباني/صحيح أبي داود:1495]، ومعنى: ((يا ذا الجلالِ والإكرامِ))، أي: يا صاحبَ العظَمةِ والكبرياءِ، ويا مَن يَقومُ بتَصْريفِ شؤونِ الخَلْقِ وتَدْبيرِها؛ فهَذه صِفاتُ الكَمالِ للهِ، والدعاء به هو تعظيمٌ لله تعالى في أسمائه وصفاته وربوبيته وألوهيته.
ومن مواطن تعظيم الله تعالى بهذا الذكر العظيم، دُبُر الصلوات، عن ثوبان موْلى رسول الله ﷺ قال: كانَ رَسولُ اللهِ ﷺ، إذَا انْصَرَفَ مِن صَلَاتِهِ اسْتَغْفَرَ ثَلَاثًا وَقالَ: ((اللَّهُمَّ أَنْتَ السَّلَامُ وَمِنْكَ السَّلَامُ، تَبَارَكْتَ ذَا الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ)) [رواه مسلم:591] أيْ: تَكاثَرَ خَيْرُك في الدَّارَينِ، يا صاحبَ العظَمةِ والإحسانِ.
فعند الانتهاء من الصلاة يستمر المسلم في تعظيم الله تعالى، والثناء عليه وتمجيده سبحانه، مرددًا هذا الذكر، ومعناه: (اللهم أنت السلام) أي من المعائب والحوادث والتغير والآفات.. (ومنك السلام) أي منك يرجى ويستوهب ويستفاد، (تباركت) أي تعاليت عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا، أو: تعالت صفاتك عن صفات المخلوقين.
(يا ذا الجلال والإكرام) أي: يا مستحق الجلال وهو العظمة، وقيل الجلال: التنزه عما لا يليق وقيل الجلال: لا يستعمل إلا لله.
(والإكرام): الإحسان وقيل المكرم لأوليائه بالإنعام عليهم والإحسان إليهم، والإكرام أخص من الإنعام؛ إذ الإنعام قد يكون على غير المكرَم، كالعاصي، والإكرام لمن يحبه ويعزه، ومنه سمي ما أكرم الله به أولياءه، مما يخرج عن العادة: كرامات.
ومن تعظيم (ذي الجلال والإكرام) توقير حملة القرآن العاملين به، وكبراء القوم من المسلمين، وذي السلطان المقسط، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ من إجلالِ اللَّهِ إِكْرامَ ذي الشَّيبةِ المسلِمِ، وحاملِ القرآنِ غيرِ الغالي فيهِ والجافي عنهُ، وإِكْرامَ ذي السُّلطانِ المقسِطِ)) [صحيح أبي داود: 4843]. فبيّن النبي ﷺ أنّ إكرام هؤلاء وتوقيرهم هو مِن تعظيمِ اللهِ وتَوقيرِه؛ لأنهم موصوفون بما ما يحبه الله ويرضاه.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
– فتح الرحيم الملك العلّلام: عبد الرحمن بن السعدي
– تفسير أسماء الله الحسنى:عبد الرحمن بن السعدي
– النهج الأسمى في شرح الأسماء الحسنى:محمد الحمود النجدي