مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتاب: إغاثة اللهفان. لابن قيم الجوزية

محبة الله قوت القلوب

محبته ـ سبحانه ـ نعيم النفوس، وحياة الأرواح، وسرور النفوس، وقوت القلوب، ونور العقول، وقرة العيون، وعمارة الباطن، فليس عند القلوب السليمة والأرواح الطيبة والعقول الزاكية أحلى ولا ألذ ولا أطيب ولا أسرَّ ولا أنعم من حبه والأنس به والشوق إلى لقائه، والحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه بذلك فوق كل حلاوة، والنعيم الذي يحصل له بذلك أتم من كل نعيم، واللذة التي تناله أعلى من كل لذة، كما أخبر بعض الواجدين عن حاله بقوله: إنه ليمر بالقلب أوقات أقول فيها: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب.

وقال آخر: إنه ليمر بالقلب أوقات يهتز فيها طربًا بأنسه بالله وحبه له.

وقال آخر: مساكين أهل الغفلة خرجوا من الدنيا وما ذاقوا أطيب ما فيها.

وقال آخر: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف.

ووجدان هذه الأمور وذوقها هو بحسب قوة المحبة وضعفها وبحسب إدراك جمال المحبوب والقرب منه، وكلما كانت المحبة أكمل وإدراك المحبوب أتم والقرب منه أوفر، كانت الحلاوة واللذة والسرور والنعيم أقوى.

فمن كان بالله سبحانه وأسمائه وصفاته أعرف، وفيه أرغب، وله أحب، وإليه أقرب، وجد من هذه الحلاوة في قلبه ما لا يمكن التعبير عنه، ولا يُعرف إلا بالذوق والوجد، ومتى ذاق القلب ذلك لم يمكنه أن يقدم عليه حبًا لغيره ولا أنسًا به، وكلما ازداد له حبًا ازداد له عبودية وذلاً وخضوعًا ورِقًّا له، وحريةً عن رقِّ غيره.

فالقلب لا يفلح ولا يصلح ولا يتنعم ولا يبتهج ولا يلتذ ولا يطمئن ولا يسكن إلا بعبادة ربه وحبه، والإنابة إليه، ولو حصل له جميع ما يلتذ به من المخلوقات لم يطمئن إليها ولم يسكن إليها، بل لا تزيده إلا فاقةً وقلقًا حتى يظفر بما خُلق له وهُيء له؛ من كون الله وحده نهاية مراده وغاية مطالبه، فإن فيه فقرًا ذاتيًا إلى ربه وإلهه من حيث هو معبوده ومحبوبه وإلهه ومطلوبه، كما أن فيه فقرًا ذاتيًا إليه من حيث هو ربه وخالقه ورازقه ومدبره.

وكلما تمكنت محبة الله من القلب وقويت فيه، أخرجت منه تألهه لما سواه وعبوديته له، فأصبح حرًّا عزة وصيانة، على وجهه أنواره وضياؤه.

وما من مؤمن إلا وفي قلبه محبةٌ لله تعالى، وطمأنينةٌ بذكره، وتنعُّمٌ بمعرفته، ولذةٌ وسرورٌ بذكره، وشوقٌ إلى لقائه، وأنسٌ بقربه، وإن لم يحس به لاشتغال قلبه بغيره وانصرافه إلى ما هو مشغول به، فوجود الشيء غير الإحساس والشعور به.

وقوة ذلك وضعفه وزيادته ونقصانه هو بحسب قوة الإيمان وضعفه وزيادته ونقصانه.

الكلمات المفتاحية

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop