مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

من تعظيم الله: الغيرة أنْ تُؤْتَى محَارمُه

من تعظيم الله: الغيرة أنْ تُؤْتَى محَارمُه

إن من أهم علامات تعظيم الله تعالى ومحبته: غيرة المؤمن لله تعالى إذا انتهكت محارمه وارتكبت معاصيه؛ فيغضب لغضبه ويغار لانتهاك المحارم، ويبغض ما يبغضه تعالى، وهذه الغيرة هي أوثق عُرَى الإيمان، عن البراء بن عازب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إِنَّ أَوْثَقَ عُرَى الْإِيمَانِ: أَنْ تُحِبَّ فِي اللهِ، وَتُبْغِضَ فِي اللهِ)) [رواه أحمد في المسند: 18524].

ومن رزقه الله تعالى هذه الدرجة من تعظيمه، وموافقته في الحب والبغض والولاء والبراء؛ فيُرْجَى له كمالُ الإيمان، عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أحبَّ للَّهِ وأبغضَ للَّهِ، وأعطى للَّهِ، ومنعَ للَّهِ، فقدِ استَكْملَ الإيمانَ)) [أخرجه أبو داود: 4681].

والغيرة إذا انتهكت المحارم من صفات الله تعالى التي أثبتها النبي صلى الله عليه وسلم، فعن المغيرة بن شعبة قال: قالَ سَعْدُ بنُ عُبَادَةَ: لو رَأَيْتُ رَجُلًا مع امْرَأَتي لَضَرَبْتُهُ بالسَّيْفِ غَيْرُ مُصْفِحٍ عنْه. فَبَلَغَ ذلكَ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: ))أَتَعْجَبُونَ مِن غَيْرَةِ سَعْدٍ؟ فَوَاللَّهِ لأَنَا أَغْيَرُ منه، وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي، مِن أَجْلِ غَيْرَةِ اللهِ حَرَّمَ الفَوَاحِشَ، ما ظَهَرَ منها، وَما بَطَنَ، وَلَا شَخْصَ أَغْيَرُ مِنَ اللهِ، وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إلَيْهِ العُذْرُ مِنَ اللهِ، مِن أَجْلِ ذلكَ بَعَثَ اللَّهُ المُرْسَلِينَ، مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَلَا شَخْصَ أَحَبُّ إلَيْهِ المِدْحَةُ مِنَ اللهِ، مِن أَجْلِ ذلكَ وَعَدَ اللَّهُ الجَنَّةَ(( [رواه مسلم: 1499].

وغَيرةُ اللهِ تَعالَى من جِنسِ صِفاتِه التي يَختصُّ بها؛ فهي ليست مُماثِلةً لغَيرةِ المَخلوقِ، بَل هي صِفةٌ تَليقُ بعَظَمتِه، وهي في حق البشر من صِفاتِ الكَمالِ المحمودةِ عَقلًا وشَرعًا وعُرفًا وفِطرةً، وأضدادُها مذمومةٌ؛ فإنَّ الذي لا يَغارُ وتَستوي عندَه الفاحِشةُ وتركُها؛ مذمومٌ غايةَ الذمِّ.

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والَّذي نفسي بيدِه لتأمُرُنَّ بالمعروفِ ولتنهَوُنَّ عن المنكرِ أو ليوشِكَنَّ اللهُ يبعثُ عليكم عذابًا منه ثمَّ تدعونه فلا يستجيبُ لكم)) رواه المنذري في الترغيب والترهيب. 

وبقدر ما كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَؤوفًا رَحيمًا، يحب التيسير على المسلمين، إلا أنه كان شديدَ التعظيم لله تعالى إذا انتُهِكَتْ محارمه، ويظهر ذلك في الحديث الذي روته أم المؤمنين عَائِشَة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- شَيْئاً قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِماً، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِى سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» [أخرجه مسلم: 2328].

ولم يجامل النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك أحدًا مهما كانت مكانته عنده أو محبته له، عَنْ عَائِشَةَ – رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ، فقالوا: مَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فقالوا: وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إلَّا أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فقال: ((أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟!!)) ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، فقال: ((إنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ، وأيم الله: لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا)) [رواه البخاري: 3475].

 وكان صلى الله عليه وسلم يجمع بين الغيرة والغضب لله تعالى والحكمة في التصرف في مثل هذه المواقف: فيصارح بسبب غضبه، أو يُعرف فى وجهه الكراهة، ثم يبين وينصح ويوجّه بما تقتضيه الحال، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قَدِمَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مِن سَفَرٍ، وقدْ سَتَرْتُ بقِرَامٍ لي علَى سَهْوَةٍ لي فِيهَا تَمَاثِيلُ، فَلَمَّا رَآهُ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ هَتَكَهُ وقالَ: أشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَومَ القِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بخَلْقِ اللَّهِ قالَتْ: فَجَعَلْنَاهُ وِسَادَةً أوْ وِسَادَتَيْنِ. [رواه البخاري: 5954].

لذلك وجَبَ على المسلمِ أن يكون معظِّمًا لربه جلّ وعلا في مواطن الأمر والنهي؛ فإذا رأى حرمات الله تنتهك، ثارت في نفسه الغَيْرة وغضب تعظيمًا لله تعالى، وهو في ذلك مُقتدٍ بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، مع مُراعاةِ وَضعِ الأُمورِ في نِصابِها، وأنْ يكونَ الغضبُ في مَحلِّهِ ولا يَتجاوَزَه إلى أكثَرَ منه؛ حتَّى لا يُفسِدَ مِن حيثُ أرادَ الإصلاحَ.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

– وما قدروا الله حق قدره:عبد العزيز ناصر الجُلّيل

– موسوعة الأحاديث:موقع الدرر السَنيّة

 

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop