تعظيم ربّ العباد بنبذِ الأنداد
إنّ من تمام التعظيم لله تعالى ألا يتخذ العبدُ ندًّا له سبحانه؛ سواء كان مَلَكًا أو نبيًا، أو صالحًا، أو صنمًا، أو متاعًا أو غير ذلك، وقد ذمّ الله تعالى في كتابه من يفعلون ذلك وتوعدهم بالعذاب، قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ ﴾ [البقرة:165].
ومعنى: “أندادًا” أي: أمثالاً ونظراء يعبدونهم مع الله تعالى ويحبونهم كحبه، أما المؤمنون فإنهم يحبونه ويعظمونه وحده لا يشركون به شيئًا، ولا يتخذون معه ندًا ولا شريكًا، ويتوكلون عليه ويلجئون إليه في جميع أمورهم.
واتخاذ الأنداد من دون الله ينافي تعظيم الله تعالى، كما يأباه العقل السليم والفطرة السوية، عن عبد الله بن مسعود قال: قلتُ: يا رسول الله، أي الذنب أعظم؟ قال: ((أن تجعل لله ندًا وهو خلقك)) [رواه البخاري: 4477]. وفي الحديث تَنبيهٌ إلى فَسادِ عُقولِ الذين يُشرِكون مع اللهِ غيْرَه، فكما أنَّه سبحانه المتفَرِّدُ بالخَلقِ والإيجادِ، فهو الذي يَجِبُ أنْ يُفرَدَ بالعِبادةِ والتعظيم وَحْدَه لا شَريكَ له.
وكذلك ينبغي أن يُفْرَدَ في السؤال والطلب؛ لأنه وحده الذي بيده النفع والضرّ، قال تعالى: ﴿وَإِن يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ [الأنعام:17].
عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَن أصابَتهُ فاقةٌ فأنزلَها بالنَّاسِ لم تُسَدَّ فاقتُهُ، ومن أنزلَها باللَّهِ أوشَكَ اللَّهُ لَه بالغِنى إمَّا بموتٍ عاجِلٍ أو غنًى عاجِلٍ)) [أخرجه أبو داود: 1645].
ومن تعظيم الله تعالى الانتباه إلى الألفاظ التي تقدح في توحيده جلّ وعلا، حتى وإن كان المخاطب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه أنَّ رجلًا قال للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ما شاء اللهُ وشئتَ فقال لهُ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : ((أجعلتني للهِ عدلًا؟! بل ما شاء اللهُ وحدَهُ)) رواه أحمد.
ومن تعظيم الله تعالى وتوحيده أن يكون الله تعالى هو المحبوب الأعظم في قلبه، وأن تكون محبته وأوامره مقدمة على كل شيء، عن أنس بن مالك رضي الله أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يكونَ اللهُ ورسولُهُ أحبُّ إليه مِمَّا سِواهُما، و أنْ يُحِبَّ المرْءَ لا يُحبُّهُ إلَّا للهِ، و أنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفرِ بعدَ إذْ أنقذَهُ اللهُ مِنْهُ كَما يَكرَهُ أنْ يُلْقى في النارِ)) أخرجه البخاري: 16.
وأي محبةٍ تقدمت على محبة الله وتعظيمه صارت قدحًا في التوحيد، وعبودية باطلة، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تَعِسَ عبدُ الدِّينَارِ، وَعَبْدُ الدِّرْهَمِ، وَعَبْدُ الخَمِيصَةِ، إنْ أُعْطِيَ رَضِيَ، وإنْ لَمْ يُعْطَ سَخِطَ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ، وإذَا شِيكَ فلا انْتَقَشَ)) [رواه البخاري: 2887].
ويُكَرِّرُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ الدُّعاءَ لِلتَّنفيرِ مِنَ الاتِّصافِ بمِثلِ هذه الصِّفةِ، فيدعو عليه بالخَيبةِ والخُسرانِ وانقلاب الأمور، وإذا أصابَتْه شَوكةٌ فَلا قَدِرَ على إخراجِها بالمِنقاشِ، ولا خَرَجتْ، وإذا أُصيبَ بأقَلِّ أذًى لا يَجِدُ مُعينًا على الخَلاصِ منه.
وفي تقرير هذا الأصل يقول ابن القيم رحمه الله:
ومن أعظم مفسدات القلب على الإطلاق: التعلق بغير الله تبارك تعالى، فليس عليه أضر من ذلك، ولا أقطع له عن مصالحه، وسعادته منه، فإنه إذا تعلق بغير الله، وكَلَهُ الله إلى ما تعلق به، وخذله من جهة ما تعلق به، عن عبد الله بن عُكَيْم الجهني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من تعلَّق شيئًا وُكِلَ إليه)) [أخرجه الترمذي:2072].
وكل محبة تتولد في قلب المؤمن لشخصٍ أو شيءٍ يجب أن تتبعَ محبة الله تعالى ولا تتقدم عليها، ولذلك كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: ((وأسألُكَ حبَّكَ وحبَّ من يحبُّكَ، وحبَّ عملٍ يقرِّبُ إلى حُبِّكَ)) [أخرجه الترمذي: 3235].
وتعظيم الله تعالى في وحدانيته لا يتحقق إلا بالتبرؤ التام من كل صور الشرك والأنداد، عن معقل بن يسار رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: ((يا أبا بكرٍ، لَلشِّركُ فيكم أخْفى من دبيبِ النَّملِ والذي نفسي بيدِه، لَلشِّركُ أخْفى من دَبيبِ النَّملِ، ألا أدُلُّك على شيءٍ إذا فعلتَه ذهب عنك قليلهُ و كثيرهُ؟ قل: اللهم إني أعوذُ بك أن أشرِكَ بك و أنا أعلمُ، وأستغفِرُك لما لا أَعلمُ)) [أخرجه الألباني: 551].
اللهم طهّر قلوبنا من كبير الشرك وصغيره، وارزقنا حبك وحب منْ يحبكَ وحبّ كل عملٍ يقربنا إلى حبك.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
– تفسير القرآن العظيم:الحافظ إسماعيل بن كثير
– إغاثة اللهفان:ابن قيم الجوزية
– وما قدروا الله حق قدره:عبد العزيز بن ناصر الجُلَّيل