مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

ربي الذي يحيي ويميت

ربّيَ الذي يحي ويميت

 

أول ما نزل من كتاب الله عزّ وجلّ آياتٌ من سورة العلق تلفت الانتباه إلى تعظيم الله تعالى في ربوبيته؛ من خلال التفكر في بدء خلق الكائنات، قال تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ [العلق:1] وخصّ الإنسان بالذكر تشريفًا له، ﴿خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق:2].

 ودليل الخلق والإيجاد من العدم هو من أكبر الأدلة على وجود الله تعالى ووحدانيته، والذي يدركه الإنسان بقليل من التفكر والنظر في نشأته وحدوثه، قال تعالى: ﴿أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ﴾ [الطور:35].

ومن صفات عظمته سبحانه أنه الحيّ الذي لا يموت أبدًا، وحياته لم يسبقها عدم ولا يلحقها موت، وهو سبحانه المحيي جاعل الخلق أحياءً بوهب الروح لهم وإحداث الحياة فيهم، وهو المميت: جاعل الأحياء موتى بسلب الحياة منهم وإحداث الموت فيهم، قال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ﴾ [الجاثية:26].

ولذلك يقول تعالى محتجًا على المشركين بقدرته وحده على الإحياء والإماتة: ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ ۖ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ﴾ [البقرة:28].

 فكيف تجحدون وجوده أو تعبدون معه غيره وقد كنتم عدمًا فأخرجكم إلى الوجود؟!

ومن عظمته سبحانه أنه وحده الذي يحيي النفوس والقلوب والعقول بنور الإسلام والهداية، قال تعالى: ﴿أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ ليْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا﴾ [الأنعام:122] .

وقد احتج الله تعالى بالخلق والإيجاد من العدم في الرد على منكري البعث في الآخرة، قال تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا كَيْفَ يُبْدِئُ اللَّهُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [العنكبوت:19].

ومن عظمة الله تعالى أنه أنزل هذه الآيات بأسلوب التحدي الذي لا يقوم له أحد من المشركين فضلًا عن آلهتهم الباطلة، وبأسلوب الاستفهام؛ للتوبيخ والتقريع لهؤلاء المشركين، قال تعالى: ﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ۖ هَلْ مِن شُرَكَائِكُم مَّن يَفْعَلُ مِن ذَٰلِكُم مِّن شَيْءٍ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ﴾ [الروم:40].

وبهذه الحجة الدامغة استهل الخليل إبراهيم محاججة النمرود، وقد طلب من إبراهيم عليه السلام دليلاً على وجود الرب الذي يدعو إليه فقال إبراهيم: ﴿رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ أي أن الدليل على وجوده حدوث هذه الأشياء المشاهَدَة بعد عدمها، ثم عدمها بعد وجودها، وفي هذا دليل على وجود الفاعل المختار ضرورةً؛ لأنها لم تحدث بنفسها فلابد لها من مُوجدٍ أوْجدها وهو الرب العظيم والإله الواحد الحق الذي أدعو إلى عبادته وحده لا شريك له.

ومن تعظيم الله الذي يحي ويميت: الاعتبار بخَلْقِ الإنسان مقهورًا بسلطان النوم كل ليلة، قال تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ [الروم:23].

فقد جعل الله تعالى النوم والاستيقاظ مثالًا للموت والبعث، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ﴾ [الأنعام:60].

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أوى إلى فراشه قال: ((باسمك اللهم أموت وأحيا)) وإذا أصبح قال: ((الحمدُ للهِ الَّذي أَحيانَا بعدَما أَماتَنا وإليه النُّشورُ)) أخرجه البخاري: 7394 .

ومن تعظيم الله الذي يحي ويميت:

–        أن يكون المؤمن شجاعًا لا يهاب من قول الحق، ولا يخجل من العمل به، وإن كان وحده، لأن الله وحده هو الذي بيده أمر موته وحياته، عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ))إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها وتستوعِبَ رزقَها، فاتَّقوا اللهَ، وأجمِلُوا في الطَّلَبِ..(( صحيح الجامع للألباني:2085.

–        أن يداوم على أسباب حياة قلبه، ويتجنب أسباب قسوته، وأعظمها دوام ذكر الله تعالى وطاعته، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((مَثَلُ الذي يَذْكُرُ رَبَّهُ والذي لا يَذْكُرُ رَبَّهُ، مَثَلُ الحَيِّ والمَيِّتِ)) أخرجه البخاري:6407.

–         أن يسارع إلى الطاعات؛ يبادر بذلك انتهاء أجله، عملًا بقول الله تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ [آل عمران:133] وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجلٍ وهو يَعِظُه: ((اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ؛ شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك)). المنذري/الترغيب والترهيب:4/203.

وبهذا يزداد المؤمن إيمانا ويقينا في الله تعالى ويمتلئ قلبه تعظيما لجلاله، ويلهج لسانه بدعائه: (اللهم يا محيي يا مميت نسألك أن تحيي قلوبنا بطاعتك، وأن تنورها بمعرفتك وتعظيمك).

 

 

 ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

– تفسير القرآن العظيم:الحافظ اسماعيل بن كثير

– أفلا تتفكرون:عبد العزيز ناصر الجُلَيّل

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop