ثمرات الرضا بالله ربّا
تعظيم الله تعالى في ربوبيته يؤدي إلى توحيد رب العالمين وإخلاص العبادة له وحده لا شريك له، قال تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ﴾ [ الأنبياء:92].
وسياقُ استحقاق الألوهية استنادًا على أفعال الربوبية العظيمة – التي لا تخطئها العين ولا تنكرها الفطرة – كان حجةُ الرسل في دعوتهم لأقوامهم، وكثيرًا ما يأتي هذا الارتباط مفصّلًا في كتاب الله عزّ وجلّ، قال تعالى: ﴿إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ ۗ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ۗ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأعراف:54]. قال الشيخ السعدي: (و”الرَبُّ” هو المربي جميع عباده بالتدبير وأصناف النعم، وأَخَصُّ من هذا تربيته لأصفيائه بإصلاح قلوبهم وأرواحهم، وأخلاقهم).
والرضا بالله العظيم ربّا هو صريح الإيمان وبه يجد المؤمن حلاوته في قلبه:
عن العباس بن عبد المطلب رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا» رواه مسلم: 34.
فالإيمان له حلاوة تُذاقُ بالقلوب، وهي ما يَجِدُه المؤمِنُ منَ انشراحِ الصَّدرِ والأُنسِ بمَعرفةِ اللهِ تَعالَى ومَحبَّتهِ وتعظيمه، يجد حلاوتها من اكتَفى وقَنَعَ بالله تعالى ربًّا، فرَضيَه لنفسِه مالِكًا ووليًّا، وسيِّدًا ومُتصرِّفًا، ومَعبودًا، وكفَرَ بما سِواه، ورَضيَ بقَضائه وقدَرِه، ورَضيَ بالإسلامِ دينًا، ومَنهجًا وطَريقًا، فاختارَه من بينِ سائرِ الأديانِ، فدخَلَ فيه راضيًا مُستسلِمًا، وأنكَرَ ما سِواه مِنَ الأديانِ الباطِلةِ، ورَضيَ بِمُحمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ رَسولًا وإمامًا ومُقتدًى به في شَريعتِه، فرَضيَ بجَميعِ ما جاءَ به من عندِ اللهِ تَعالَى، وقَبِلَ ذلك بالتَّسليمِ والانشراحِ؛ فصَدَّقَه فيما أخبَرَ، وأطاعَه فيما أمَرَ، واجتنَبَ ما عنه نَهَى وزجَرَ، وأحبَّه واتَّبعَه ونَصَرَه.
وإذا استقر في قلب المؤمن تعظيم الله تعالى بمعاني الربوبية تنامت في قلبه عبوديات التعظيم وثمراته، مثل:
محبة الله تعالى وصدق التوكل عليه:
لما كان من معاني (الربّ) أنه الذي يربي عباده وينقلهم من طَوْر إلى طَوْر، وينعم عليهم بما يقيم حياتهم ومعاشهم، وأنه هو الذي خلقهم وهداهم، وإحسانه إليهم لا ينقطع، فإنها تورث في قلب العبد المحبة العظيمة لله تعالى، كما أن (الربّ) تبارك وتعالى هو المتكفل بأرزاق خلقه، وأن له ملك السموات والأرض، وهو على كل شيء قدير؛ فيورث ذلك في قلب المؤمن المعظّم لربه قوة التوكل عليه سبحانه في جلب المنافع ودفع المضارّ وتصريف جميع أموره.
ومن ثمرات الرضا بالله العظيم ربّا: إحسان الظن بالله تعالى، وتلقّي ما قدّره الله من المصائب بالصبر والرضا وملاحظة ما في المحن من حكمة الله ورحمته، رغم ما فيها من آلام، تمامًا كما يتلقى النعم بالحمد والشكر، وهذا الحال هو فضلٌ وتوفيقٌ من الله تعالى للمؤمنين، ولا يؤتاه غيرهم، عن صُهَيْب بن سِنَان الرُوميّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وليسَ ذاكَ لأَحَدٍ إلَّا لِلْمُؤْمِنِ، إنْ أصابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكانَ خَيْرًا له، وإنْ أصابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكانَ خَيْرًا له» رواه مسلم: 2999.
وأعظم ثمرات الرضا بالله تعالى ربّا هو رضا الله تعالى عن العبد:
فقد أخبر الله تعالى بما أعده للمؤمنين به والمؤمنات من الخيرات والنعيم المقيم، وأنّ رضاه عنهم أكبرُ وأجلُّ وأعظمُ مما هم فيه من النعيم، قال تعالى: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ۚ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ۚ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة:72].
وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا دخل أهلُ الجنةِ الجنةَ ، يقولُ اللهُ عزَّ و جلَّ : هل تشتهون شيئًا فأزيدُكم ؟ فيقولونَ: ربَّنا وما فوقَ ما أعطيتَنا ؟ فيقولُ: رضواني أكبرُ» أخرجه الطبراني: 9025.
والمؤمن المعظّم لربه يكون راضٍ ومرضيٌ عنه عند رحيله من الدنيا إلى ربه تبارك وتعالى عن سعيد بن جبير قال: قرأ رجلٌ عند رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةَ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي﴾ [الفجر:30:27] فقال أبو بكر: ما أحسن هذا! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما إن المَلَك سيقولها لك عند الموت» تفسير ابن كثير: 4/512.
ومجيء لفظة (عبادي) بالإضافة إلى الذات الإلهية العليَّة فيه زيادة تشريف لهم ولسكناهم، وبيان علو منزلتهم والكرامة التي حباهم بها الله تعالى على سائر الخلائق أجمعين.
فاللهم املأ قلوبنا بالرضا والتعظيم لجلالك يا أرحم الراحمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
– تيسير الكريم الرحمن:عبد الرحمن السعدي
– وما قدروا الله حق قدره:عبد العزيز ناصر الجُلَيّل
– مقاييس تعظيم الله في القرآن الكريم:د.طه حميد الفهداوي