ألفاظ التكبير ودلالتها على تعظيم الله تعالى
من أعظم الأذكار التي يحبها الله عزّ وجلّ والتي شرعها في كتابه وسُنة نبيه صلى الله عليه وسلم: ذكره سبحانه بالتكبير؛ وذلك بقول: “الله أكبر”، وقد أمر بالتكبير في قوله تعالى: ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾ [المدثّر:3]، وفي قوله تعالى: ﴿وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء:111] وهذه الآية الكريمة تسمى (آية العزّ) لما فيها من معاني التوحيد والتعظيم لله تعالى، وقال القرطبي عند تفسير قوله تعالى: ﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾ [الإسراء:111]: “وكَبرِّهُ تَكْبيرا” أي: عظِّمْهُ عَظَمَةً تامةً”، ثم قال رحمه الله: “ويقال: أبلغ لفظة للعرب في معنى التعظيم والإجلال: الله أكبر، أي صِفْهُ بأنه أكْبَرُ من كلّ شيء”.
وعن معنى “الله أكبر” قال شيخ الإسلام: (وفي قوْل “الله أكبر” إثبات عظمته، فإنّ الكبرياء يتضمن العظمة، ولكن الكبرياء أكمل؛ ولهذا جاءت الألفاظ المشروعة في الصلاة والأذان بقول:”الله أكبر” فإنَّ ذلك أكمل من قول: الله أعظم).
ووصف ابن حجر التكبير بقوله: “ذكرٌ مأثورٌ عند كل أمرٍ مهُول، وعند كل حادِثِ سُرورٍ، شُكرًا لله تعالى، وتبرئةً له من كل ما نَسَبَ إليه أعداؤُه” .
وتتألقُ دلالات تعظيم الله سبحانه وتعالى في ذكْرِهِ جلّ شأنه بالتكبير، من ملاحظة المواطن التي شُرِعَ فيها:
وهي كثيرة معروفة في معظم العبادات وفي كثير من أحوال الإنسان، كالتكبير في الصلاة والأذان، والأذكار دبر الصلوات، وفي الحج وعند الذبح وغيرها، يقول شيخ الإسلام: (وجاء التكبير مكرَّرا في الأذان في أوله وفي آخره، والأذان هو الذِّكر الرفيع، وفي أثناء الصلاة وهو حال الرفع والخفض والقيام إليها كما ورد: “تحريمها التكبير”، وروي أن التكبير يطفئ الحريق، وشُرِعَ أيضًا لدفع العدو من شياطين الإنس والجن … وهذا كله يبين أن التكبير مشروع في المواضع الكبار لكثرة الجَمْع أو لعظمة الفعل أو لقوة الحال أو نحو ذلك من الأمور الكبيرة؛ ليبين أن الله أكبر، وتستولى كبرياؤه في القلوب على كبرياء تلك الأمور الكبار؛ فيكون الدين كله لله، ويكون العباد له مكبّرين، فيحصل لهم مقصودان: مقصود العبادة بتكبير قلوبهم لله، ومقصود الاستعانة بانقياد سائر المطالب لكبريائه).
ومن أهم مواطن هذا الذكْر العظيم: التكبير على الهِداية، قال تعالى: ﴿وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [البقرة:185] وفي مناسبة التكبير للهداية يقول شيخ الإسلام:
“ولهذا شُرِعَ التكبير على الهداية والرزق والنصر؛ لأن هذه الثلاثة أكبر ما يطلب العبد وهي جماع مصالحه، والهدى أعظم من الرزق والنصر؛ لأن الرزق والنصر قد لا ينتفع بهما إلا في الدنيا، أما الهُدى فمنفعته في الآخرة قطعًا”.
كذلك من دلالات تعظيم الله تعالى في التكبير، مناسبته للحال عند الصعود للمكان المرتفع، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا علا شرفاً – أي: المكان المرتفع – كبّر، وكان يوصي بذلك أصحابه، عن أبي هريرة رضي الله عنه أَنَّ رجلًا قالَ: يا رسولَ اللَّهِ إنِّي أريدُ أن أسافِرَ فَأوصِني! قالَ: ((عليكَ بتقوَى اللَّهِ والتَّكبيرِ على كُلِّ شَرَفٍ)). فلمَّا ولَّى الرَّجُلُ قالَ: ((اللَّهُمَّ اطوِ لَه الأرض وَهوِّن عليهِ السَّفرَ)). [صحيح الترمذي: 3445].
فالمُسلم إذ يستصحب التكبير في سفره، ويُكبِّرُ كلما صعد مرتفعًا، مستشعرًا معيَّة الله وعظمته وإحاطته وحفظه، ومتفكِّرًا في سعة الدنيا، وتباعُد أطرافها، وآفاقها، سيزداد تعظيمًا لله تعالى بقلبه، إذ يُكَبّرهُ بلسانه، ولأن الإنسان إذا علا في مكان مرتفع، قد يشعر في قلبه أنه مستعلٍ على غيره، فيقول: الله أكبر، من أجل أن يتبرأ من تلك العلياء التي شعر بها حين علا وارتفع؛ فيذكّر نفسه بعظمة الله تعالى وأنه أكبر من كل خلقه تبارك وتعالى.
ومنها التكبير عند رؤية آيات الله عزّ وجلّ، والتعجب من عظمة خلْقها، ومن أمثلتها:
التكبير لرؤية الهلال، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه قال: كان رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إذا رأى الهلال قال: ((اللَّهُ أكْبَرُ، اللَّهُمَّ أهِلَّهُ عَلَيْنا بالأمْنِ والإِيْمَانِ والسَّلامَةِ والإِسلامِ وَالتَّوْفِيقِ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، رَبُّنا وَرَبُّكَ اللَّهُ)) [أخرجه الدارمي: 1729].
ومن أهم مواطن التكبير استحضارًا لعظمة الله ومعيته: إذا خاف المؤمن قومًا أو شخصًا، فقد روي عن ابن عباس أنه قال: “إِذا أتيت سُلْطَانًا مهيبًا تخَاف أَن يَسْطُو عَلَيْك فَقل: الله أكبر الله أكبر من خلقه جَمِيعًا، الله أعز مِمَّا أَخَاف وَأحذر، أعوذ بِاللَّه الَّذِي لَا إِلَه إِلَّا هُوَ، الممسك السَّمَوَات السَّبع أَن يقعن على الأَرْض إِلَّا بِإِذْنِهِ من شَرّ عَبدك فلَان” [صحيح الأدب المفرد: 546].
ولأن ذكر الله تعالى بالتكبير هو تعظيم لله سبحانه، فقد أعطى عليه الأجر العظيم إذا نطق به المسلم مطلقًا، عن رجل من بني سليم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((التَّسْبِيحُ نِصْفُ المِيزَانِ، وَالْحَمْدُ يَمْلَؤُهُ، وَالتَّكْبِيرُ يَمْلَأُ مَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ)) [أخرجه الترمذي: 3519].
إنّ التكبير ذكرٌ عظيم يملأُ القلب بمعاني عظمة الله تعالى وكبريائه وجلاله، فيزداد المؤمن حبًّا وخشوعًا لله تعالى، واطمئنانًا بمعيته سبحانه، وهو العليّ الكبير.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
– ولله الأسماء الحسنى:عبد العزيز بن ناصر الجُليّل
– تيسير الكريم الرحمن:عبد الرحمن بن سعدي