مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

بعض مواطن تعظيم الله تعالى في سورة الكهف   سورة الكهف من السور العظيمة، أنز …

بعض مواطن تعظيم الله تعالى في سورة الكهف

بعض مواطن تعظيم الله تعالى في سورة الكهف

 

سورة الكهف من السور العظيمة، أنزلها الله تعالى جوابًا مفحمًا لسؤال المشركين عن فتية ذهبوا في الدهر الأول: ما كان من أمرهم، وشأنهم العجيب؟ وعن رجل طوّاف بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه؟ وعن الروح ما هو؟

فأنزل الله تعالى سورة الكهف، زاخرةً بمواطن التعظيم لله تعالى، لِما اشتملت عليه من عجائب القصص والآيات، تلك السورة التي عظمها الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم فسنَّ لنا قراءتها كل جمعة؛ ليثبت في قلب القارئ ووجدانه ما تضمنته من معاني التعظيم والتمجيد لله تعالى، من صدرها إلى خاتمتها.

والسورة الكريمة من العِتاقِ الأُوَل([1])، ولها فضائل من أبرزها أنها عصمة من فتنة الدجال، عن أبي الدرداء، عن النبي ﷺ قال: ((مَن حفظ عشر آيات من أول سورة الكهف، عُصِمَ من الدجال)) [رواه مسلم: 809].

ومن أهم مواطن تعظيم الله تعالى في سورة الكهف:

– افتتاحها بالحمد؛ وهو من ألفاظ التعظيم والتمجيد لله تعالى، قال تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجًا﴾ [الكهف:1]، وفي الآية ثناء الله تعالى على نفسه بنعمة إنزال الكتاب المجيد معتدلًا مستقيمًا، نذيرًا للكافرين، وبشيرًا للمؤمنين بالنعيم المقيم في جنات النعيم.

والمؤمن يُعظّم الله تعالى ملازمًا لحمده في كل حين؛ لأنه هو المستحق للحمد كلِّه، فله جميع المحامد بأسرها، وليس ذلك لأحد إلا لله تعالى وحده، قال شيخ الإسلام: “ومعلومٌ أن كلَّ ما يُحمَد فإنما يُحمَد على ما له من صفات الكمال، فكل ما يُحمَد به الخَلق فهو من الخالق، والذي منه ما يُحمَد عليه هو أحق بالحمدِ، فثبت أنه سبحانه المستحق للمحامد الكاملة، وهو أحقُّ من كلّ محمود بالحمد، والكمال من كل كامل” [مجموع الفتاوى: 6/83].

وفي السور المفتتحة بحمد الله تعالى والثناء عليه إرشادُ العباد ليحمدوه على نعمه، وأعظمها على الإطلاق إرسال الرسول إليهم، وإنزال الكتاب عليهم.

– تعظيم الله تعالى في أسمائه (القادر – المقتدر) ففي قصص السورة وما حوته من عجائب الآيات، تتجلّي قدرةُ الله تعالى على كل شيء واقتداره على الإنشاء والإفناء والإحياء، والتدبير والتسخير، فتبارك الله العليّ القدير، قال تعالى: ﴿وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ مُّقْتَدِرًا﴾ [الكهف:45]، وتعظيم المؤمن لله تعالى في اقتداره وقدرته المطلقة، بابٌ إلى العزة وقوة القلب أمام كيد الكافرين، أو دواعي الغم والحزن من مصائب الدنيا؛ لأن كل ذلك في قبضة الله تعالى وتحت قدرته ومشيئته.

– تعظيم الله تعالى بأنه هو سبحانه الوليّ المرشد لعباده، وقد تكررت مادة الرشد أربع مرات في السورة الكريمة، والرشد هو الصلاح والاستقامة، وهو خلاف الغَيّ والضلالة، وذلك لا يكون إلا بيد الله وحده؛ لأن التوفيق والخِذْلان بيده سبحانه، يوفق من يشاء من عباده، ويخذل من أراد، فكان ذلك دليلاً على أن من هداه فهو وليه ومرشده، قال تعالى: ﴿مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا﴾ [الكهف:17].

فالمعظّم لله تعالى يعلم أن إصابة الرشد والرشاد من الله وحده، فيطلب منه الهُدى إلى سبيل الرشاد، كما فعل أصحاب الكهف، وهم في أوْجِ المحنة والفتنة، فقد علموا بأن الله هو من يهديهم إلى رشدهم؛ فلجؤوا إليه، قال تعالى عنهم: ﴿إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا﴾ [الكهف:10].

– ومن جوانب العظمة التي تتجلّى في سورة الكهف: عناية الله تعالى بأوليائه عناية خاصة يحفظهم بها، ويحفظ أموالهم وذريتهم، ويسخّر لهم في إنفاذ أمره من يشاء من جُنده، كما في قصة موسى عليه السلام والخضر، وما فيها من عجائب الأقدار ولطائف الأسرار؛ فيزداد المؤمن تعظيمًا لله تعالى بالثقة فيه وإحسان الظنّ به والتصديق بوعده وأنه سبحانه وليّ المؤمنين، قال الشيخ السعدي: “وهو تعالى وليّهم بأن يتولى نصرهم وإرشادهم، كما يتولى ذلك من الصبيّ وليّه، وهو يتولى يوم الحساب ثوابهم وجزاءهم”.

– ثم اختتمت السورة بتعظيم الله وتمجيده، والثناء عليه بسعة صفاته وكمالها، وتقرير أن التوحيد هو سبيل المؤمنين إلى النجاة والفوز العظيم:

﴿قُل لَّوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِّكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَن تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا﴾ [الكهف:109] أي: قل لهم مخبرًا عن عظمة الباري، وسعة صفاته، وأنها لا يحيط العباد بشيء منها، وأشجار الدنيا من أولها إلى آخرها، من أشجار البلدان والبراري، لو صارت أقلامًا، وصار مدادها البحر، لنفد البحر وتكسرت الأقلام قبل نفاد كلمات الله تعالى، وهذا شيء عظيم، لا يحيط به أحد.

قال الشيخ السعدي: “وهو من باب تقريب المعنى إلى الأذهان، لأن هذه الأشياء مخلوقة، وجميع المخلوقات، منقضية منتهية، وأما كلام الله، فإنه من جملة صفاته، وصفاته غير مخلوقة، ولا لها حد ولا منتهى، فأي سعة وعظمة تصورتها القلوب فالله فوق ذلك، وهكذا سائر صفات الله تعالى، كعلمه، وحكمته، وقدرته، ورحمته، فلو جمع علم الخلائق من الأولين والآخرين، أهل السماوات وأهل الأرض، لكان بالنسبة إلى علم العظيم، أقل من نسبة عصفور وقع على حافة البحر، فأخذ بمنقاره من البحر بالنسبة للبحر وعظمته، ذلك بأن الله له الصفات العظيمة الواسعة الكاملة، وأن إلى ربك المنتهى”.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

([1]) روى البخاري في صحيحه (ح4994) بسنده عن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ يَزِيدَ قال : سَمِعْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يَقُولُ فِي ” بَنِى إِسْرَائِيلَ ” و ” الْكَهْفِ ” وَ ” مَرْيَمَ ” وَ ” طَهَ ” وَ ” الأَنْبِيَاءِ “: (إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلاَدِي ). قال ابن كثير في تفسيره (1/49): “وقوله: (من العتاق الأول) أي: من قديم ما نزل .

وقوله: (وهن من تلادي) أي: من قديم ما قنيت وحفظت”.

 

المراجع:

– النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى:محمد الحمود النجدي

– تيسير الكريم الرحمن:عبد الرحمن بن السعدي

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop