مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

من أدب العبودية: تعظيم النص الشرعي

من أدب العبودية: تعظيم النص الشرعي

لُبّ العبودية هو الاستسلام لله تعالى وتعظيمه، ومن أعظم علامات تعظيم الله عزّ وجلّ وتوقيره وإجلاله: تعظيم نصوص الكتاب والسنة وتلقيهما بالقبول والتسليم؛ إذ القرآن هو كلام الله المنزّل وحيًا على نبينا محمد صلّى الله عليه وسلم، قال تعالى: ﴿وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا ۚ لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [الأنعام:115].

أي: صدقًا في الأخبار وعدلًا في الأحكام، فلا مجال للاختيار بعد تمام المنة على الأمة بالشريعة الربانية المطهّرة، ومن يخالف أمر الله تعالى ورسوله فإنما يسلك سبيل الضلال، قال تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا﴾ [الأحزاب:36].

وقد حذرنا الله تعالى من مخالفة أمره وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم، وبيّن أنّ معارضة نصوص القرآن والسُنّة بالشبهات والآراء، أو رفض الامتثال والطاعة لهما من أعظم أسباب الزيْغ والفتنة في الدين، قال تعالى: ﴿فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:63]،  بينما العصمة في التمسك بالكتاب والسنة والحذر من محدثات الأمور، عن العرباض بن سارية رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (فإنَّه مَن يَعِشْ منكم بعدي فسيَرَى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسُنَّتي وسنَّةِ الخلفاءِ المهديِّينَ الراشدينَ، تَمسَّكُوا بها، وعَضُّوا عليها بالنَّواجِذِ، وإيَّاكُم ومُحدَثاتِ الأمورِ؛ فإنَّ كلَّ مُحدَثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ) [رواه أبو داود: 4607]، روى ابن حجر عن ابنِ مسعودٍ أنه قال: “قد أصبحتم على الفطرةِ، وإنكم ستُحْدِثون ويُحدَثُ لكم، فإذا رأيتم مُحْدَثةً فعليكم بالهدى الأولِ” [فتح الباري: 13/267].

وقد كان الصحابة رضي الله عنهم أجمعين أشد الناس احترامًا وتعظيمًا لنصوص القرآن والسنة علمًا وعملًا وتسليمًا، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عنْه قالَ لِلرُّكْنِ: “أَما واللَّهِ، إنِّي لَأَعْلَمُ أنَّكَ حَجَرٌ لا تَضُرُّ ولَا تَنْفَعُ، ولَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ اسْتَلَمَكَ ما اسْتَلَمْتُكَ، فاسْتَلمَهُ” [رواه البخاري: 1605]. يقول الحافظ ابن حجر: (وفي قول عمر هذا التسليم للشارع في أمور الدين، وحسن الاتباع فيما لم يُكْشَف عن معانيها، وهو قاعدة عظيمة في اتباع النبي صلى الله عليه وسلم فيما شرعه، ولو يعلم الحكمة فيه).

ومن عجائب تعظيمهم للوحي، واستشرافهم لما ينزل منه فيسارعوا بالامتثال والعمل: موقف تحويل القبلة، فقد امتثل الصحابة لأمر الله تعالى وهم في الصلاة، لم يؤخروا ولم يناقشوا أو يجادلوا، عن البراء بن عازب رضي الله عنه: “أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كانَ أوَّلَ ما قَدِمَ المَدِينَةَ نَزَلَ علَى أجْدَادِهِ، أوْ قالَ أخْوَالِهِ مِنَ الأنْصَارِ، وأنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وكانَ يُعْجِبُهُ أنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وأنَّهُ صَلَّى أوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ العَصْرِ، وصَلَّى معهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى معهُ، فَمَرَّ علَى أهْلِ مَسْجِدٍ وهُمْ رَاكِعُونَ، فَقالَ: أشْهَدُ باللَّهِ لقَدْ صَلَّيْتُ مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كما هُمْ قِبَلَ البَيْتِ” [رواه البخاري:40]، فما أحسن أدبهم وتسليمهم لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ورضي الله عنهم وأرضاهم.

ولذلك كانوا يشتدون على من يعارض النص الشرعي ويغلظون له القول، عن معاذة بنت عبد الله قالت: سألت عائشة رضي الله عنها، فقلت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة ؟ فقالت: أحرورية أنت؟ فقلت: لست بحرورية، ولكني أسأل. فقالت: كان يصيبنا ذلك، فنؤْمَرُ بقضاء الصوم، ولا نؤْمَر بقضاء الصلاة” [رواه مسلم: 335]، ولما روى عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا استأذَنَت أحدَكم امرأتُه إلى المسجدِ فلا يمنَعْها))، قال بلالُ بنُ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ: واللهِ لنمنَعُهنَّ. قال: فسبَّه عبدُ اللهِ بنُ عمرَ أسوأَ ما سمِعْتُه سبَّه قطُّ، وقال: سمِعْتَني قُلْتُ: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إذا استأذَنَت أحدَكم امرأتُه إلى المسجدِ فلا يمنَعْها))، قُلْتَ: واللهِ لنمنَعُهنَّ ؟!” [صحيح ابن حبان: 2213].  

ومن أقوال العلماء المعتبرين في ضبط هذا الأدب من تعظيم الوحيين، والتحذير من مخالفة التسليم لهما:

قال الإمام الذهبي:”فإن أحببت يا عبد الله الإنصاف فقف مع نصوص القرآن والسنة، ثم انظر ما قاله الصحابة والتابعون وأئمة التفسير في هذه الآيات، وما حكوه من مذاهب السلف، فإما أن تنطق بعلمٍ وإما أن تسكت بعلم”.

 فلا فلاح ولا فوز للمؤمن في الدنيا والآخرة إلا بتعظيم الله تعالى وإجلاله، وتعظيم قرآنه المجيد وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وتلقي نصوص الوحي الشريف بالحب والفرح والتعظيم والعمل، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾ [النور:52،51].

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

– فهم السلف الصالح للنصوص الشرعية:د.عبد الله بن عمر الدميجي

– وما قدروا الله حق قدره:عبد العزيزبن ناصر الجُليّل

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop