الله العلي العظيم
كان مالك- رحمه الله- يقول عند الإفتاء: ما شاء الله، لا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وكان ذلك منه؛ للاستمداد من المعلم الأول معلم الرسل والأنبياء – صلوات الله وسلامه عليهم-؛ فإنه لا يرد من صدق في التوجه إليه لتبليغ دينه، وإرشاد عبيده ونصيحتهم، والتخلص من القول عليه بلا علم.
وأخبر الله العلي العظيم عن نفسه بأن له العلو المطلق الدال على جميع مراتب العلو ذاتاً وقدراً وشرفًا، كقوله: {وهو العلي العظيم} [البقرة: 255] {وهو العلي الكبير} [سبأ: 23] {إنه علي حكيم} [الشورى: 51].
وكثيراً ما يقرن ربنا بين العلو والعظمة مثل قوله – عز وجل -: { وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ}[البقرة: 255]، وقوله تبارك وتعالى: { لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ} [الشورى: 4]؛ لأن العلو رفعته، والعظمة عظمة قدره ذاتاً ووصفاً.
واسم العلو دال على أَنه الظاهر، وأَنه لا شيء فوقه، واسم العظمة دال على الإِحاطة وأن كل شيء دونه.
“ولله – عز وجل – صفة كمال من اسمه (العلي)، وصفة كمال من اسمه (العظيم)، وصفة كمال ثالثة من اجتماعهما؛ فقد حاز العلو بكل أنواعه، وجمع العظمة بكل صورها، فهو عظيم في علوه، عالٍ في عظمته سبحانه؛ ولعل تقديم اسم (العلي) على (العظيم) من تقديم السبب على المسبب؛ لأنه – عز وجل – عظم؛ لعلوه على كل شيء”([1]).
وقد شرع الله سبحانه لعباده ذكر هذين الاسمين: (العلي؛ العظيم) في الركوع والسجود، كما ثبت في سنن أبي داود أنه: (لما نزلت: { فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ } [الواقعة: 74]، قال النبي ﷺ: اجعلوها في ركوعكم. فلما نزلت: { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قال: اجعلوها في سجودكم)([2]).
وقرن النبي ﷺ بين الاسمين العظيمين؛ فقال: «من استيقظ من الليل فقال: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ثم قال: ” اللهم اغفر لي _ أو دعا بدعاء آخر، استجيب له، فإن توضأ وصلى، قبلت صلاته».
وقال ﷺ: «من قال هذه الكلمات في أول نهاره، لم تصبه مصيبة حتى يمسي، ومن قالها آخر نهاره لم تصبه مصيبة حتى يصبح: ” اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت، عليك توكلت وأنت رب العرش العظيم، ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أعلم أن الله على كل شيء قدير، وأن الله قد أحاط بكل شيء علما، اللهم إني أعوذ بك من شر نفسي، وشر كل دابة أنت آخذ بناصيتها، إن ربي على صراط مستقيم»([3]).
فهلا اقتدينا بحبيبنا ﷺ في التعبد بالاسمين العظيمين في دعائنا، وسائر حياتنا.
[1] انظر “مطابقة أسماء الله الحسنى مقتضى المقام في القرآن الكريم” د. نجلاء كردي ص 474.
[2] سنن أبي داود، (869).
[3] عمل اليوم والليلة، لابن السني،( 57).