مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

ضمن سلسلة "تعظيم الله في سور القرآن الكريم"

تعظيم الله تعالى في سورة الإخلاص

تعظيم الله تعالى في سورة الإخلاص

أخرج البيهقي في “الأسماء والصفات” عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أنَّ الْيَهُودَ، جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هذه السورة: يعني: ﴿قُلۡ هُوَ ٱللَّهُ أَحَدٌ، ٱللَّهُ ٱلصَّمَدُ، لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ، وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ﴾ [سورة الإخلاص]. حسنه الحافظ في الفتح: 13/356.

وهي سورة مكية، من أعظم سور القرآن؛ إذ هي صفة الرحمن تبارك وتعالى، و سُميتْ سورة الإخلاص لأنَّها خالِصة في وصف الله سبحانه ليس فيها غيره، وخالصة في تقرير توحيده جلّ وعلا، أو لأنها تخلّص صاحبها من الشرك والنار، وهي تعدل ثلث القرآن العظيم.

ومن أوجه العظمة في سورة الإخلاص:

أنها جاءت إعجازًا في البيان الجامع المانع لصفات الله تعالى، بأحسن الألفاظ المؤدية للمعاني في اللسان العربي، فأجملت أصل الاعتقاد والتوحيد الذي هو روح الإسلام، وإثبات الكمال المطلق لله تعالى، ونفي الشرك والنقص عنه بجميع أنواعه وألوانه وأحواله.

وأنها تضمنت اسمين عظيمين من أسماء الله تعالى (الأحد – الصمد) لم يردا في غيرها من سور القرآن الكريم:

فاسم الله (الأحد): اسمٌ لمن تفرّد في ذاته، وتفرّد في صفاته، وتفرّد في أقواله وأفعاله، فلا يشركه في ذلك أحد.

يقول ابن القيم: (“الأحد”: المتضمن لانفراده بالربوبية والألوهية، وفيه نفيٌ لكل شريك لذي الجلال).

واسم الله (الصمد): فيه من معاني العظمة:

“الصمد”: أي الربّ الكامل والسيد العظيم، الذي لم يُبقِ صفةَ كمالٍ إلا اتصف بها، ووُصِفَ بغايتها وكمالها.

عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: “الصمد”: السيد الذي كَمُلَ سؤدده، الحكيم الذي كَمُلَ حكمه، الرحيم الذي كَمُلَتْ رحمته، الجواد الذي كَمُلَ جوده.

وهو المصمود إليه المقصود في جميع الحوائج والنوائب، قال تعالى: ﴿يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْن﴾ [الرحمن:29]، وهذا الوصف العظيم يقتضي أن تقصده الخلائق كلها في جميع حاجاتها وأحوالها وضروراتها، لما له من الكمال المطلق في ذاته وصفاته وأفعاله.

وفيها نفي الولد والوالد عن الله تعالى: ﴿لَمۡ يَلِدۡ وَلَمۡ يُولَدۡ﴾.

فليس هو بأبٍ لأحد، ولا ابنٍ لأحد، سبحانه، وليس هو ممن يولد فيفنى، ولا هو بمحدَثٍ لم يكن فكان، سبحانه وتعالى، وقد جاء في الصحيح أن من نسبَ لله تعالى الولد فقد شتمه – تعالى عن ذلك علوًا كبيرا -، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله عن ربه عزّ وجلّ: “قالَ اللَّهُ: كَذَّبَنِي ابنُ آدَمَ، ولَمْ يَكُنْ له ذلكَ، وشَتَمَنِي، ولَمْ يَكُنْ له ذلكَ؛ فأمَّا تَكْذِيبُهُ إيَّايَ فَزَعَمَ أنِّي لا أقْدِرُ أنْ أُعِيدَهُ كما كانَ، وأَمَّا شَتْمُهُ إيَّايَ فَقَوْلُهُ: لي ولَدٌ، فَسُبْحانِي أنْ أتَّخِذَ صاحِبَةً أوْ ولَدًا!” رواه البخاري:4482.

وفيها نفي الكفء والتنزيه عن الشبيه والمثال: ﴿وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ﴾.

فالله سبحانه ليس له مكافئ، ولا شبيه، ولا مثيل، ولا نظير في أحديته وصمديته وتفرده في أسمائه وصفاته وأقواله وأفعاله. قال تعالى: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى:11].

فكيف يكون له من خَلْقِه نظيرٌ يساميه، أو قريبٌ يدانيه، بل هو الله الواحد الأحد، الفرد الصمد تبارك وتعالى.

ولأهمية هذه السورة وجلالها وما تضمنته من ثمرة تعظيم الله والتعرف عليه فإن المؤمن لا ينفك محتاجًا لتكرار معانيها على قلبه صباحَ مساء؛ لذلك سَنّ النبي صلى الله عليه وسلم تكرار قراءتها كل يوم وليلة، فكان يفتتح بها نهاره في سنة الفجر، ويفتتح بها ليله في سنة المغرب، ويختم بها ليلته في صلاة الوتر، كما سَنَّ قراءتها في أذكار الصباح والمساء ثلاثًا، وفي أدبار الصلوات المكتوبات وعند النوم مع المعوذتيْن.

وإذا فهم المؤمن معاني عظمة الله تعالى في سورة الإخلاص؛ أحبها لأنها صفة الرحمن، وأكثر من قراءتها لعظيم فضلها وأنها تعدل ثلث القرآن، وأورثته حُبًا وتعظيمًا لله تعالى يملؤ قلبه؛ فيجتهد في الدعاء بأسماء الله تعالى التي وردت فيها (الأحد – الصمد)، فقد صحّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أن منها اسم الله الأعظم، عن بريدة بن الحصيب الأسلميّ قال: سَمِعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم رجلاً يدعو وهو يقولُ: اللهم إني أسألُك بأني أشهدُ أنك أنت اللهُ لا إلَه إلا أنتَ الأحدُ الصمدُ الذي لم يلدْ ولم يولدْ ولم يكن له كُفُوًا أحدٌ. قال فقال: ((والذي نفسي بيدِه لقد سألَ اللهَ باسمِه الأعظمِ الذي إذا دُعيَ به أجابَ وإذا سُئِلَ به أعطى)). [الترمذي: 3475].

وهو الإله السيد الصمد الذي … صمدت إليه الخلق بالإذعان

الكامل الأوصاف من كل الوجو … هـ كماله ما فيه من نقصان

والله أكبر واحد صمد فكـ …     ـل الشأن في صمدية الرحمن

نفت الولادة والأبوة عنه والـ …   كفء الذي هو لازم الإنسان

وكذاك أثبتت الصفات جميعها … لله سالمة من النقصان

وإليه يصمد كل مخلوق فلا …    صمدٌ سواهُ عَزَّ ذُو السلطان

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

– النهج الأسمى في شرح أسماء الله الحسنى: محمد الحمود النجدي

– ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها:عبد العزيز بن ناصر الجُلَيل

– مقاييس تعظيم الله في القرآن الكريم:د.طه حميد الفهداوي

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop