مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

من تعظيم الله تعالى: المسارعة إلى طاعته

من تعظيم الله تعالى: المسارعة إلى طاعته

جعل الله تعالى البرهان على محبته هو المسارعة إلى طاعته واتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، وذلك أثر من آثار امتلاء القلب بمحبة الله وتعظيمه، وقد مدح الله المؤمنين بصفةٍ مميزةٍ لهم عن غيرهم، وهي سرعة إجابتهم لما يقضيه الله تعالى ورسوله من أمرٍ بكلمات السمع والطاعة، وبشرهم بالفلاح إذا لزموا ذلك، قال تعالى: ﴿إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [النور:51].

وقد فصّل الله تعالى في ذكر نماذج للأعمال الصالحة التي يحب من عباده المتقين أن يسارعوا إليها، قال تعالى: ﴿وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ﴾ [آل عمران:134،133].

وإنما تكون المسارعة إلى المغفرة والجنة بمعنى: المبادرة والمسارعة إلى أسباب الوصول إليهما من الأعمال الصالحة التي ذكر الله تعالى لها أمثلة في الآية الكريمة، مثل إنفاق المال في الضيق والسعة، وكظم الغيظ وعدم إنفاذه، والعفو عن المسيء، كل ذلك ابتغاء مرضاة الله تعالى.

والمسارعة إلى الطاعات والخيرات هو سمت القدوات من الأنبياء والمرسلين وأهليهم، فقد وصفهم الله تعالى بأنهم كانوا يسابقون الزمان لبذل الخيرات وفعل الطاعات وقلوبهم تنبض بالرغبة والرهبة، والمحبة والتعظيم لله تعالى، قال تعالى: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾ [الأنبياء:90] فهم يبادرون إليها ويفعلونها في أوقاتها الفاضلة، ويكملونها على الوجه اللائق، ولا يتركون فضيلة يقدرون عليها إلا بادروا إليها، ولو تأملنا خاتمة الآية ﴿وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ﴾  لوجدنا وصفهم بأنهم كانوا خاضعين متذللين متضرعين، وهذا لكمال معرفتهم بربهم وتعظيمهم لجلاله.

ورضا الله تعالى هو جائزة من يسارع إلى طاعته، هذا ما فهمه كليم الله سيدنا موسى عليه السلام، قال تعالى حكايةً عنه: ﴿وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى﴾ [طه:84]، فالعجلة مذمومة إلا إذا كانت مسارعةً في الخيرات، ومبادرةً إلى أوامر الله والعجلة إليها.

وقد كانت المسارعة إلى الطاعة هي صفة نبينا خير القدوات صلى الله عليه وسلم:

فعن سعد بن أبي وقّاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((التُؤْدَةُ في كلِّ شيءٍ، إلا في عملِ الآخرةِ)) [صحيح أبي داود:4810] فالتأنيّ محمود في كلِّ الأعْمالِ، إلَّا في العَملِ المُتعلِّقِ بالآخِرَةِ مِن أمْرٍ أو نهيٍ، أو بأعمالِ التقرُّبِ إلى اللهِ تعالَى؛ فالتَّأخيرُ في هذا العَملِ مَذْمومٌ غيرُ محْمودٍ، بل يَنْبغي الإسْراعُ والمُسابَقَةُ إلى عمَلِ الآخِرَةِ؛ لأنَّ الإنسانَ لا يَعْلَمُ متى يَنتهي عمرُه ويأتيه أجَلُه.

وكان من هديه صلى الله عليه وسلم الإسراع إلى أداء الصلاة متى حان وقتها، عن الأسود بن يزيد قال: سَأَلْتُ عَائِشَةَ ما كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصْنَعُ في بَيْتِهِ؟ قالَتْ: كانَ يَكونُ في مِهْنَةِ أهْلِهِ – تَعْنِي خِدْمَةَ أهْلِهِ – فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ خَرَجَ إلى الصَّلَاةِ” [رواه البخاري:676]، فتعظيم قدر الصلاة والقِيامُ إليىها إذا حَضَرتْ وتَرْكُ الشُّغْلِ بعَملِ أيِّ شَيءٍ مِن مَصالِحِ الدُّنيا هو من تعظيم الله تعالى.

وقد ضرب لنا الصحابة رضوان الله عليهم المثل الأعلى في سرعة الاستجابة لأمر الله تعالى طاعةً وتعظيمًا له سبحانه، ومن ذلك ما كان منهم من الطاعة الفورية لما بلغهم تحريم الخمر، عن أنس رضي الله عنه قال: “كُنْتُ سَاقِيَ القَوْمِ في مَنْزِلِ أبِي طَلْحَةَ، فَنَزَلَ تَحْرِيمُ الخَمْرِ، فأمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى، فَقالَ أبو طَلْحَةَ: اخْرُجْ فَانْظُرْ ما هذا الصَّوْتُ، قالَ: فَخَرَجْتُ فَقُلتُ: هذا مُنَادٍ يُنَادِي: ألَا إنَّ الخَمْرَ قدْ حُرِّمَتْ، فَقالَ لِي: اذْهَبْ فأهْرِقْهَا، قالَ: فَجَرَتْ في سِكَكِ المَدِينَةِ، قالَ: وكَانَتْ خَمْرُهُمْ يَومَئذٍ الفَضِيخَ” [رواه البخاري:4620]،  فأسرع أبو طَلْحَةَ في تنفيذِ الأمرِ، وأمر أنَسًا رَضِيَ اللهُ عنهما أن يُكفِئَ الآنيةَ التي بها الخمرُ، فذكر أَنَسٌ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ الخَمرَ سالت في سِكَك وطُرُق المدينةِ؛ من شِدَّةِ امتِثالِ النَّاسِ لأمرِ اللهِ تعالى ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.

وكذلك كانت الصحابيات الجليلات رضي الله عنهن قدوات صالحات في تعظيم أمر الله تعالى والمسارعة إلى تنفيذه عمليّا، عن عروة بن الزبير عن عائشة رضي الله عنها قالت: “يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ المُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ؛ لَمَّا أنْزَلَ اللَّهُ: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ﴾ [النور:31] ، شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بهَا” [رواه البخاري:4758].

وفي الحديث مَنقبةُ الصَّحابيَّاتِ المهاجراتِ الأوائلِ وسُرعةُ استجابتِهنَّ لأمرِ اللهِ تعالَى

وفيه: أنَّ المؤمنَ الحقَّ لا يَسألُ عن العِلَّةِ والسَّببِ في أوامرِ الشَّرعِ ليستجيبَ لها، بل يُبادِرُ بالاستجابةِ وإن لم تظهَرْ له العِلَّةُ والسَّبَبُ، ولا تكون هذه السرعة والاستجابة الفورية لأمر الله تعالى صادرةً إلا عن قلوبٍ قد امتلأت بمحبة الله تعالى وتعظيمه، والثقة الكاملة في علمه وحكمته فيما أنزل لعباده من الشرائع التي تصلح دنياهم وأخراهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع: – موسوعة أخلاق القرآن:د.أحمد الشرباصي

– تيسير الكريم الرحمن:عبد الرحمن بن سعدي

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop