مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

مظاهر عظمة الله في تتابع الليل والنهار

مظاهر عظمة الله في تتابع الليل والنهار

أشار القرآن الكريم إلى العديد من مظاهر عظمة الله تعالى وقدرته المطلقة في آيات الكوْن والأنفس والآفاق، ومن أوضح هذه الآيات: تتابع الليل والنهار، قال تعالى: ﴿إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [آل عمران:190]، قال ابن كثير: (أي: تعاقبهما وتقارضهما الطول والقصر، فتارة يطول هذا ويقصر هذا، ثم يعتدلان، ثم يأخذ هذا من هذا فيطول الذي كان قصيرًا، ويقصر الذي كان طويلًا، وكل ذلك تقدير العزيز الحكيم). 

ومن مظاهر عظمة الله تعالى وقدرته في تتابع الليل والنهار أنه جعل حركة الكون موافقة لحركة الأحياء، فكما أودع في خلق الإنسان ضرورة النوم والسُبات بعد العمل والنشاط، فكذلك أودع في الكون آية الليل مظلمة؛ ليكون لباساً ساتراً يتم فيه السبات والانزواء، وجعل آيه النهار مبصرةً؛ ليكون معاشاً تتم فيه الحركة والنشاط كما قال سبحانه: ﴿وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا، وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا﴾ [النبأ:11،10].

– ومنها عظمة الله في تسخير هذا النظام الكوْني الدقيق للإنسان؛ لتتهيأ له أسباب المعيشة على الأرض، ويسهُل عليه أداء العبادات وإقامة الشعائر، قال تعالى: ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ ۖ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ﴾ [إبراهيم:33] ، فقد شرع الله تعالى العبادات موقوتة بأوقات محددة، وإنما تحل أوقات وجوبها بتتابع الليل والنهار، وأظهرها الصلاة، قال تعالى: ﴿إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا﴾ [النساء:103].

– وعظمة المخلوق تدلُّ على عظمة الخالق جلّ وعلا؛ لذلك أقسم الله بهذا التتابع بين الليل والنهار:

قال تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ، وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ﴾ [التكوير:18،17] ، فمن تأمل حال الليل إذا عسعس وأدبر، والصبح إذا تنفس وأسفر، فهزم جيوش الظلام بنفسه، وأضاء أفق العالم بقبسه، فيالهما آيتان شاهدتان بوحدانية منشئهما وكمال ربوبيته وعظيم قدرته وحكمته.

– ومن عظمته سبحانه يورد التحدي بتصور نظام يغيب فيه الليل أو النهار؛ ليدرك العباد عظيم نعمته عليهم وإحسانه إليهم تبارك وتعالى.

قال تعالى: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِضِيَاءٍ ۖ أَفَلَا تَسْمَعُونَ، قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَٰهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُم بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ ۖ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾ [القصص:72،71] 

فلولا طلوع النهار لبطل أمر العالم كله، فكيف كان الناس يسعون في معاشهم ويتصرفون في أمورهم والدنيا مظلمة عليهم؟ وكيف كانت تهنيهم الحياة مع فقد لذة النور وروحه؟ وأي ثمار ونبات وحيوان كان يوجد؟ وكيف كانت تتم مصالح أبدان الحيوان والنبات؟ ولولا جثوم هذا الليل عليهم بظلمته ما هدأوا ولا قرّوا ولا سكنوا، بل جعله أحكم الحاكمين سكنًا ولباسًا كما جعل النهار ضياء ومعاشًا.

 ولولا الليل وبرده لاحترقت أبدان النبات والحيوان من دوام شروق الشمس عليها وكان يحرق ما عليها من نبات وحيوان؛ فصار النور والظلمة على تضادهما متعاونين متضافرين على مصلحة هذا العالم وقوامه، فلو جعل الله سبحانه النهار سرمدًا إلى يوم القيامة والليل سرمدا إلى يوم القيامة لفاتت مصالح العالم بأسره. [تفسير ابن القيم: القصص].

ومن مظاهر عظمته سبحانه أن وكّلَ ملائكةً بالليل وملائكةً بالنهار، تَتَناوَبُ في البَشرِ، وتشهد أعمالهم، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يتعاقبون فيكم ملائكة الليل وملائكة النهار، ويجتمعون في صلاة الصبح وفي صلاة العصر، فيعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم – وهو أعلم بكم – كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: أتيناهم وهم يصلون، وتركناهم وهم يصلون» [رواه البخاري: 555].  

 وسؤال الله عزّ وجل لهم عند صعودهم – وهو أعلم – «كَيفَ تَرَكتُم عِبادي؟» تَنويهًا بشَأنِ المؤمنين من بَني آدَمَ، وبَيانًا لِفَضلِهم، ولِيُباهيَ بهمُ المَلائِكةَ، فيَقولونَ: «تَرَكناهم وهُم يُصَلُّونَ، وأتَيْناهم وهُم يُصَلُّونَ»، فهم في صَلاةٍ دائِمةٍ.

ومعرفة عظمة الله تعالى في هذه الآية الكونية الظاهرة لها آثار إيمانية وعبادية، مثل:

– تعظيم الله تعالى بذكره في أول النهار وأول الليل:

لأن هذا الوقت تتجلى فيه عظمة الله تعالى في تعاقب الليل والنهار، ولذلك شرع سبحانه لعباده أن يسبحوه ويعظّموه في وقت شهود هذه الآية العظيمة كل يوم وليلة، قال تعالى: ﴿وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا﴾ [طه:130].

– وأن يحرص كذلك على أداء العبادات في أوقاتها، جاء في وصية أبي بكر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (واعلم أن لله عملاً بالنهار لا يقبله بالليل، وعملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى فريضة) [حلية الأولياء (1/37)].

– وأن يعتبر بتتابع الليل والنهار، وأن في هذا التتابع انقضاء الآجال وتسجيل الأعمال، قال تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَىٰ أَجَلٌ مُّسَمًّى﴾ [الأنعام:60]  وكان الحسن يقول: (ابن آدم إنما أنت أيام ، كلما ذهب يوم ذهب بعضك) [حلية الأولياء (2/148).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

– أفلا تتفكرون: عبد العزيز ناصر الجُلَيّل

– تيسير الكريم الرحمن: عبد الرحمن السعدي

– موسوعة فقه القلوب:محمد إبراهيم التويجري

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop