كيف يكون تعظيم القرآن الكريم؟
يكون تعظيم القرآن بعدة أمور منها:
(1) استحضار أن المتكلم به هو جبار السموات والأرض جَلَّ جَلاَلُهُ، لا يشبهه شيء من كلام الخلق، ولا يقدر على مثله الخلق بأسرهم، ولذلك تحداهم الله أن يأتوا بمثله أو بعشر سور أو بسورة.
(2) اعتقاد كماله وتمامه وأنه لا نقص فيه ولا اختلاف ولا اضطراب، كما قَالَ تَعَاَلَى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة: 2]، واعتقاد شموله وعمومه بحيث لا تنزل بالناس نازلة إلا وفي كتاب الله دليل على سبيل الهدى فيها، كما قَالَ تَعَاَلَى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89].
(3) تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم الذي نزل عليه القرآن الكريم في شهر رمضان.
(4) التحاكم إليه في كل صغيرة أو كبيرة، وعدم الاعتراض أو المجادلة في شيء منه، قَالَ تَعَاَلَى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب: 36]، ولا يتحاكم إلى ما عارضه في كثير أو قليل {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الجاثية: 18].
(5) الحذر كل الحذر من هجر للقرآن، قَالَ تَعَاَلَى: {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان: 30]، وقد ذكر ابن القيم أن هجر القرآن يكون على أنواع منها: هجر تلاوته وهجر تدبره وهجر العمل به وهجر تحكيمه وهجر الاستشفاء به.
(6) حُسن التلاوة وإقامةِ حروفِه وحدودِه وتعظيمِ شأنِه والسَّير على منهاجِه، وتصديق الأخبارِ وامتثال الأوامِر واجتِنابِ النّواهي، قَالَ تَعَاَلَى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]. فتعظيمَ كلام الله لَيس بتَزيينِه وتفخِيمِ طِباعته وكاتبتِه، وليسَ بتعليقِه على جُدرانِ البيوت، وليس بقراءته على الأمواتِ كما يفعل البعض.
(7) أن لاَ يقرَأَه المسلم وهو جنُب، وأن لا يمَسَّ المصحفَ إلاّ على طَهارة؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم كتَب إلى عمرو بنِ حزم رضي الله عنه أن: (لا يمسَّ القرآنَ إلاّ طاهِر) (صحيح الجامع).
(8) عدم الكلامُ فيه بِغير عِلم، أو تفسيره بالظن، أخرَج أحمد والترمذيّ وحسَّنه عن سَعيد بن جبير رَحِمهٌ اللهُ عن ابن عباسٍ رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اتَّقوا الحدِيثَ عنّي إلاّ ما علِمتم، فمن كذَب عليَّ متعمِّدًا فليتَبوَّأ مقعدَه من النار، ومن قال في القرآنِ برأيِه فليتبوَّأ مقعدَه من النار)).
ويقول الإمام النووي رَحِمهٌ اللهُ: (يحرُم تفسيرُه بغيرِ علمٍ والكلامْ في معانيه لمن لَيس من أهلِها، والأحاديثُ في ذلك كثيرةٌ، والإجماعُ منعِقد عليه، أمّا تفسيره للعلماء فجائِزٌ حسَن، والإجماع منعقِد عليه).
(9) إحضارُ القارئِ قلبَه في القراءة والتفكّرُ فيها، روَى البخاريّ عن أبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنه أنه قال: سَمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((يَخْرُجُ فِيكُمْ قَوْمٌ تَحْقِرُونَ صَلاتَكُمْ مع صَلاتِهِمْ، وصِيامَكُمْ مع صِيامِهِمْ، وعَمَلَكُمْ مع عَمَلِهِمْ، ويَقْرَؤُونَ القُرْآنَ لا يُجاوِزُ حَناجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كما يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ)).
(10) تنظيفُ الفم لأجلِ القراءة بالسِّواك والمضمَضة، روى البخاريّ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لَوَلَا أنْ أشُقَّ علَى أُمَّتي أوْ على النَّاسِ لَأَمَرْتُهُمْ بالسِّوَاكِ مع كُلِّ صَلَاةٍ))، وظاهِرُ هذا أنّه كان يفعَل هذا للصّلاة وقِراءةِ القرآن.
(11) كراهيةُ قَطع القراءةِ لكلام الناس، فلا يَنبغي أن يؤثِرَ كلام الناس على قراءةِ القرآن، روَى البخاريّ عَن نافع رَحِمهٌ اللهُ قال: (كانَ ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: إذَا قَرَأَ القُرْآنَ لَمْ يَتكَلَّمْ حتَّى يَفْرُغَ منه) رواه البخاري.
(12) تلقِّى القرآن من العدولِ العلماء بما أخَذوا وبما يؤذُونَه، روى مسلم عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قالَ لأبيّ رضي الله عنه: (إنَّ اللهَ أمرني أن أقرَأ عليك القرآنَ)، قال: الله سماّني لك؟! قال: (الله سمَاك لي)، قال: فجعل أبيّ يبكي.
(13) تركُ المماراةِ في القرآنِ، روَى البخاريّ عن جندب بن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقْرَؤُوا القُرآنَ ما ائْتَلَفَتْ قُلُوبُكُمْ، فإذا اخْتَلَفْتُمْ فَقُومُوا عنْه)، وروى مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: (هَجَّرت إلى رسول الله يومًا قال: فَسَمِعَ أَصْوَاتَ رَجُلَيْنِ اخْتَلَفَا في آَيةٍ، فَخَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، يُعْرَفُ في وَجْهِهِ الغَضَبُ، فَقالَ: إنَّما هَلَكَ مَن كانَ قَبْلَكُمْ، باخْتِلَافِهِمْ في الكِتَابِ).
(14) عدمُ السّفر بالقرآنِ إلى أرضِ العدوّ، فقد روى البخاريّ ومسلِم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قالَ: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُسافرَ بالقرآنِ إلى أرضِ العدوّ، وروى مسلم عن أيّوب عن نافعٍ عن ابن عمرَ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا تُسافِرُوا بالقُرْآنِ فإنِّي لا آمَنُ أنْ يَنالَهُ العَدُو)، قال النووي رَحِمهٌ اللهُ: «النهيُ عن المسَافرةِ بالمصحَفِ مخافةَ أن يَنالَه العدوّ فينتهِكوا حرمتَه، فإذا أُمنَت العِلّة فلا كراهةَ ولا مَنعَ منه».
(15) المحافظةُ على الكُتبِ العامّة والكتب المدرسيّة والصّحُف التي تشتمِل على آياتٍ من القرآنِ الكريمِ في غِلافها أو داخِلها، والملاحظ على بعضَ المسلمين هداهم الله حينما يقرؤون تلك الكتُب والصّحفَ وينتهون منها يُلقونها، فتجمَع مع القمائم وتوطَأ بالأقدام، بل قد يستَعمِلها بعضهم سُفرةً لطعامه ثم يرمِي بها في النفايات مع النّجاسات والقاذورات، ولا شكَّ أن هذا امتهانٌ لكتابِ الله العظيم وكلامِه المبين.
(16) ومِن تعظيم كلام الله أن يُرفَعَ فلا يوضَع في الأرض، لا سيما في الأرض التي ليسَت محتَرمة، فإنَّ وضعَه في أرضٍ ليست محترمَةً يدلّ على عَدمِ مُبالاة الواضِع به.
(17) ومِن تعظيمِ القرآن أن لا تمدَّ إليه رجلَيك، وأن لا تولّيَه ظهرَك، وألا تأخذه بيدك اليسرى إلا لضرورة.
(18) ومن تعظيم القرآن المنافحةُ عَنه وعدَم السكوتِ على من يتهَجَّم على القرآن أو يستهزئ به.
(19) ومن تعظيمه: أن يكون للمسلم ورد ثابت يقرأه يوميًا ويكحل عينيه برؤية كلام ربه ويجد في قراءته راحة قلبه.
(20) ومن تعظيمه: العناية بدراسته وتفسيره وتدبّر آياته والالتزام بأحكامه والانتفاع بآدابه ومواعظه.
(21) ومن تعظيمه: العناية بترجمة معانيه إلى اللغات المختلفة، ترجمةً دقيقةً من أهل العلم والاختصاص.
(22) ومن تعظيمه: العناية بتحفيظه وتعليمه، وتطوير آليات التعليم والتدريس لتكون وسيلة لترسيخ الاهتمام به وبعلومه.
المقال السابع: من مظاهر تعظيم الله في رمضان (7) | تعظيم السُّنَّة، وحال السلف في تعظيمها