من القواعد المقررة شرعًا وجوبُ تعظيم شعائر الله، يقول الله تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32]. ففي هذه الآية حث الله على تعظيم شعائره، وجعله من التقوى فما هي شعائر الله؟
قال الإمام القرطبي رَحِمهٌ اللهُ: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ} «الشعائر جمع شعيرة، وهو كل شيءٍ لله تعالى فيه أمرٌ أشعر به وأعلم، فشعائر الله أعلم دينه».
وقال الشيخ السعدي رَحِمهٌ اللهُ: «أي أعلام دينه الظاهرة، التي تعبّد الله بها عباده، وشعائر جمع شعيرة بمعنى علامة، وتعظيم شعائر الله من تقوى القلوب، والتقوى واجبة على كل مكلف».
ورد عن كعب الأحبار رَحِمهٌ اللهُ أنه قال: «إن الله تَبَاركَ وَتَعَاَلَى اختار ساعات الليل والنهار فجعل منهن الصلوات المكتوبة، اختار الأيام فجعل منها يوم الجمعة، واختار منها الشهور، فجعل منها رمضان، واختار الليالي، فجعل منها ليلة القدر، واختار البقاع، فجعل منها المساجد» رواه أبو نعيم في الحلية.
وشعائر الله منها المكانية كالمساجد عمومًا والحرمين والمسجد الأقصى خصوصًا، ومنها الشعائر الزمانية كشهر رمضان وليلة القدر، وعشر ذي الحجة والأشهر الحرم.
وتعظيم شعائر الله من تعظيم الله، ويكون تعظيمها بإجلالها وإحلالها مكانًا رفيعًا في القلب، وأداء العبادات فيها بمحبةٍ وخوف ورجاء، ودنما تضجر أو تثاقل ، مع تكميل العبودية فيها بلا تهان أو تكاسل.
وتعظيم الشعائر من علامات سلامة القلوب وصلاحها، وفلاح أصحابها بإذن الله.
ومن الشعائر الزمانية التي لا تخفى على الجميع شهر رمضان، وربنا بين لنا أن من أهم حِكم الصيام تحقيق التقوى كما قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
فالواجب على المسلم أن يُعظِّم حُرمة شهر رمضان، فقد ورد عن أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من صام رمضان وعرف حدوده، وتحفّظ مما ينبغي له أن يتحفّظ كفّر ما قبله)) (رواه: ابن حبّان والبيهقي).
وتعظيمَ شهر رمضان، إنما هو تعظيمٌ لركنٍ من أركان الدِّين، لأن صومَ رمضان أحدُ الأركان الخمسة التي بُني عليها الإسلام، وإن انتهاك حرمة رمضان طريقٌ موصلٌ بالتأكيد إلى غضب الجبار جَلَّ جَلاَلُهُ.
ولقد خصَّ الله شهر رمضان بفضائل عظيمة، كوجوب الصيام فيه، كما قَالَ تَعَاَلَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183].
وكنزول القرآن فيه كما قَالَ تَعَاَلَى: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ} [البقرة: 185]، وكفى بذلك شرفًا وفخرًا.
وكاختصاصه بليلة هي خير من ألف شهر وهي ليلة القدر، قَالَ تَعَاَلَى: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ * لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ * تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ * سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر} [القدر: 1- 5].
والواجب على المسلم أن يُعظِّم ما عظَّم الله عَزَ وَجَلَّ، فيعظِّمَ شعائَر الله وشرائعَه، ويعظِّمَ حُرماتِ الله، ويعظِّم حُرمة شهر رمضان.
فأعلام الدين الظاهرة في رمضان، من الصلاة والصيام والقيام، وتلاوة القرآن، وليلة القدر من شعائر الله، فمن عظم هذه الشعائر فتعظيمه لها صادر عن تقوى قلبه.
فالمعظم لها يبرهن على تقواه، وصحة إيمانه؛ لأن تعظيمه لها تابع لتعظيم الله جَلَّ جَلاَلُهُ.
ومن عرف الله عَزَ وَجَلَّ حق المعرفة عظّمه، ومن عظّم الله، عظم كل ما جعله الله معظمًا، ووقف عند حدود ما شرع الله عَزَ وَجَلَّ.
والصيام في ذاته تعظيم للشعيرة الزمانية: رمضان.
وكذلك القيام وتلاوة القرآن، ومن قام ليالي رمضان وخاصة ليالي العشر فقد عظم هذه الشعيرة الزمانية بشعيرة عملية هي القيام.
وهكذا تجد شعائر الله تعظيم بعضها سائق إلى تعظيم بقية الشعائر.
وأن انتهاك حرمة رمضان بأي شكلٍ من الأشكال من المحرمات.
ونحن بحاجة إلى إعادة النظر في نفوسنا، ومدى تعظيمها لشعائر الله عَزَ وَجَلَّ وحرماته، فربنا – تعالى – يقول: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج: 32].
فتقوى القلوب، والخيرية عند الله معلقة بمدى معرفتنا بقدر ربنا عَزَ وَجَلَّ، وقدر ما عظمه ربنا سبحانه.
ومن عظّم رمضان أناله الله عظيم الأجر والثواب.
واقرأ ليمتلئ قلبك تعظيمًا لهذا الشهر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وفضله وفضل القيام فيه ووجوب صومه.
قال صلى الله عليه وسلم: ((من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)) (متفق عليه).
وقال صلى الله عليه وسلم: ((من قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غفر له ما تقدم من ذنبه)) (متفق عليه).
وعن أنس رضي الله عنه قال: دخل رمضان فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ هذا الشهَّر قد حضركم وفيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ من حُرِمها فقد حُرم الخيرَ كلَّه ولا يُحرمُ خيرَها إلَّا محرومٌ)) (أخرجه ابن ماجه).
وفي رواية: ((أتاكم شهرُ رمضانَ شهرٌ مباركٌ فرض الله عليكم صيامَه تُفتَّحُ فيه أبوابُ السَّماءِ وتُغلَّقُ فيه أبوابُ الحجيمِ وتُغلٌّ فيه مردةُ الشَّياطينِ للهِ فيه ليلةٌ خيرٌ من ألفِ شهرٍ من حُرم خيرَها فقد حُرم)) (رواه النسائي وصححة الألباني).
وإذا صلح القلب وعرف قدر رمضان جاء العمل، فعظّم رمضان بصيام أيامه وقيام لياليه، وتلاوة القرآن، وكثرة الذكر، والإحسان إلى الخلق بالصدقات والصلة، وغير ذلك.
واعلم أن هذا لا يجتمع مع اشتغال القلب بالمحرمات، ورؤيته للمنكرات فاهجر ما حرّم الله.
واقرأ قول الله تعالى: {وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأنعام: 68].
وفي رمضان لا بد من تربية الأسرة بأكملها على تعظيم شهر رمضان، وإحياء روح العبودية لله تعالى فيه بالتزام أوامره واجتناب نواهيه، وتعظيم شعائره كما يحب ويرضى.
وتعظيم الشعائر لا يكون بالإقبال على الطاعات والاستزادة منها فقط، ولكن بتجنب ما حرم الله تعالى في هذه الأوقات والأماكن لأنها تختص بالعبادات أكثر من غيرها؛ ولذلك يكون ارتكاب المعصية فيها أشد قبحًا وأعظم وزرًا من ارتكابها في غيرها من الأوقات والأماكن.
المقال الرابع: مظاهر تعظيم الله في رمضان (4) | تعظيم السلف الصالح لشهر رمضان