علامات تعظيم النصوص الشرعية
إنَّ لتَعظيِمِ النُصُوصِ الشَرعيةِ من القُرآنِ والسُنةِ دَلالاتٌ وعلاماتٌ ومن هذه العلامات:
(1) حِفظُ النصِّ الشرعيِّ: فالله تعالى تولَّى حِفظَ الوحيِ حالَ إنزالِه من استراقِ كلِّ شيطانٍ رجيمٍ، وبعد إنزالِه أودعه الله في قلبِ رَسولِه صلى الله عليه وسلم، واستودعه فيه، ثمَّ في قلوب أمَّنة، وحَفظُ سلفِ الأمةِ للنصِّ الشرعيِّ على نوعين: حفظ صدورٍ، وحفظ سطورٍ.
(2) توقيرُ النصِّ الشرعيِّ: بالتعظيمُ العمليُّ المتمثِّلُ في احترام النصِّ الشرعيِّ، والوقوفُ عند مُقتضاه، وعدمُ التقدمُّ بين يديه بقولٍ أو فعلٍ، وقد كانت حياةُ سلفِنا الصالح رضوان الله عليهم تعظيمًا عمليًّا للنصِّ الشرعيِّ، وتوقيرًا صادقًا بتحكيمِه في شتى جوانبِ الحياةِ.
(3) نُصرةُ النصِّ الشرعيَّ: وذلك بالذَّبِّ عن النصِّ الشرعيَّ ونُصرتِه ضدَّ خصومِه، ومن أبرزِ مواقف السلف في نصرة النص الشرعي ردَّهم على بدعِة المعتزلةِ القائلةِ بخلقِ القرآنِ، وردَّهم على مقولةِ الرافضةِ بتحريفِ القرآنِ ونقصِه، وكذا مذهب المعتزلةِ في إقصاء السنِّة عمومًا، وعدمِ الاحتجاجِ بأخبار الآحادِ في العقائِد خصوصًا. وغيرها من المذاهبِ الباطلةِ.
(4) فهمُ النصِّ الشرعيِّ: وسلفَنا الكرامَ كانوا شديدي العنايةِ بفهمِ النصوصِ الشرعيةِ، والغوصِ في أعماقِ معانيها، يقودُهم في ذلك تعظيمُهم للنصوصِ الشرعيةِ، وإجلالُهم لمكانتِها، وأنَّ هذا المَعلَمَ من معالمِ التعظيمِ للنصِّ الشرعيِّ لدي السلفِ تندرجُ فيه كلُّ جهودِهم العلميةِ المرويةِ والمصنَّفة في فهم الكتابِ والسنَّةِ.
(5) خدمةُ النصِّ الشرعيَّ: والمتأمل يرى تفانيَ سلفِنا الصالحِ في خدمةِ النصِّ الشرعيَّ خدمةً علميةً من كل وجهٍن ويشملُ ذلك حِفظَه ونشرَه، وتيسيرَ تناولِه، وتقريبَ أخذِه وقد أثمر ذلك علومَ القرآنِ وعلومَ الحديثِ، وفي كلِّ منهما من فنونِ العلمِ وتفاريعِه ما يخدُمُ النصِّ الشرعيَّ بمختلِفِ الوجوهِ.
(6) ومن علاماتِ تَعظيمِ النُصُوصِ الشرعيةِ عَدمُ الاختيارِ أو المشورةِ في قبولِ حُكم الله تعالى بل التَسليمُ الكَاملُ المطلَقُ دونِ تردُدٍ أو شك، قَالَ تَعَاَلَى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء: 65]، قال ابن كثيرٍ – رَحِمهٌ اللهُ -: فهذهِ الآيةُ في جَميعِ الأمور. ذلكَ أنه إذا حَكمَ اللهُ ورسوله بشيءٍ فليسَ لأَحدٍ مخالفتُه. ولا اختيار لأحدها ها هنا ولا رأي ولا قول، مع عَدمُ وجودِ الحَرجِ عند سَماعِ النصِّ الشرعيَّ ويتأكدُ هذا عند تطبيقهِ فدلت الآية على وُجُوبِ الانقيادِ لحكمِ اللهِ ظَاهرًا وباطنًا بِرحابةِ صدرٍ وطُمأنينةِ نفس.
(7) عَدمُ التَنَطُعِ في البَحثِ عن الحِكمَةِ أَو ضَربِ الأحاديثِ ببعضها لنقضها، فتلكَ الصِفةُ تُنافي كَمالَ التَسليمِ والانقيادِ لله. بل قَد يَستَمِرئُ صَاحِبَهَا ذلكَ فتجرهُ غلى الاعتراضِ على بَعضِ الأَحكَامِ الشرعيةِ إلا حَينَ يعلمَ الحِكمةَ مِنها، فالواجبُ على المسلمِ الإمساكُ والتأدبُ مع مقامِ التشريعِ؛ فالله – عَزَ وَجَلَّ- لا يُسأل عمَّا يفعلُ وهم يُسألون، ولهذا لم يحكِ اللهِ – سُبحَانهُ – عن أٌمةِ نبيِّ صدقت بِنبيِّها وآمنت بِما جاءَ بِه أَنها سألتهُ عن تفاصيلِ الحكمةِ فيما أَمَرَها بهِ ونَهاها عنه وبَلغها عن ربِها ولو فعلت ذلكَ لما كانت مؤمنة بِنبيِّها.
(8) من عَلاماتِ تَعظيمِ النصوصِ الشرعيةِ الغضبُ لله تعالى إذا انتُهِكَت محارمُ اللهِ ومُحاولةُ التغيير ما استطاعَ المرءُ إلى ذلكَ سبيلاً، عن عائشة قالت: «ما خُيِّر رسول الله بين أمرينِ إلا اختارَ أَيسرهُما ما لم يكن إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم الله بها» (أخرجه البخاري)؛ فمتى كان العبدُ غيورًا على محارمِ اللهِ مُسَارعًا إلى إنكارِها وإصلاحِ أَهلِها كانَ ذلكَ دَليلاً على تَعظيمهِ للنصوصِ الشرعيةِ ومُراعاةِ حُدودِها وآدابِها.
(9) ومن علاماتِ تَعظيمِ النصوصِ الشرعيةِ؛ أن يُمسِكَ الإنسانُ عَما ليسَ لهُ بهِ علمٌ وأن يَحذرَ مِن الخوضِ في ذلكِ وأن يَجعلَ نُصبَ عينيهِ قوله تعالى فالخوضُ في معاني كلامِ اللهِ وكلامِ رسولهِ دونَ درايةٍ أو سُؤالٍ، من القولِ على الله بلا عِلمٍ وهذا من الذنبِ العظيمِ فَضلاً عمَّا يَجُرهُ من المفاسدِ، من ضِلالِ الآخرينَ وإِضلالِهم.