الحمد لله العلي العظيم، قهر كل مخلوق، ودان له كل مربوب، فالكل تحت حكمه، والجميع ذليل بين يديه، العز إزاره، والكبرياء رداؤه.
لو خَطَّت أقلامُنا كل أوراق الدنيا ما بلغت شيئًا في بيان عظمته، ولو كان البحر مدادًا لكلماته ما نفدت كلماته جل شأنه.
يحار في جميل صنعه وقَدَرِه وحكمه العارفون، خلق الإنسان فأحسن خلقه وتصويره، ثم شرع له الشرائع لتنيره، فمن استمتك بالوحي هُدي إلى صراطٍ مستقيم.
لا يبلغ المادحون مثقال ذرةٍ في إيفاء حقه سبحانه، فهو جل شأنه فوق وصف الواصفين، وأعظم من مدح المادحين.
سبحانه من ربٍ قديرٍ رحيم، أكمل لعباده الدين، وأتم النعمة على العالمين، وبعث رسوله بشيرًا ونذيرًا بين يدي الساعة، ففرض الفرائض، وشرع الشرائع، فما من خيرٍ إلا أرشد الخلق إليه، وما من شر إلا حذر الناس منه، صلى الله عليه في الأولين والآخرين، أما بعد:
فإن الإسلام مبنيٌ على فرائض معلومة هي أركانه وأسسه التي لا يقوم إلا بها، وما شُرعت العبادات كل العبادات إلا لتعظيم الله سُبحَانَهُ وَتَعَاَلَى.
ومن يتأمل أركان الإسلام وشرائعه ويُمعن النظر فيها يدرك يقينًا ما تدعو إليه من وجوب التعظيم لله تعالى، بل إن كل عبادةٍ يزداد أجرها بقدر ما يقوم بفاعلها من تعظيم الله سبحانه.
وتعظيم الله تعالى من أفضل العبادات، وأَجلّ القربات التي يتعين ترسيخها في القلوب، ولها أثر كبير في تزكية النفوس، وعلى قدر العلم بالله وباسمائه وصفاته وأفعاله يكون التعظيم، وقد ذمَّ سبحانه من لم يعظمه حق عظمته ومن لم يعرفه حق معرفته فقال تعالى: {مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: 13].
وإن من شرع الله وحكمه أن خصص بعض الأماكن والأزمنة بمزيد فضل، فضاعف فيها الأجر على العمل وحباها بمزيد تعظيمٍ وإجلال تبعًا لتعظيمه وإجلاله.
ومن الأزمنة الفاضلة «شهر رمضان المبارك»، فهو خير الشهور وسيدها، فيه الأعمال والحسنات تُضاعف، وفيض الرحمة الربانية والمنح الإلهية ينتشر ليعمَّ الكون برحمة الله وسعة غفرانه والعتق من نيرانه.
لذلك فقد شرع الله تعالى في رمضان عباداتٍ كثيرة ليزداد المسلم قربًا من مولاه، ومدار هذه العبادات على «تعظيم الله سبحانه».
وإذا أمعنا النظر فيما شرعه الله في رمضان من عبادات، وفيما يحتف بهذا الشهر من فضائل، علمنا يقينًا أن شهر رمضان ليس إلا شهر تعظيم وإجلال لله عَزَ وَجَلَّ وفي هذا المقالات التي سيتم نشرها تباعا على صفحاتنا وبعد الاستعانة بالله والتوكل عليه لا سواه تم جمع بعض مظاهر تعظيم الله في رمضان، وذلك في خمسة جوانب، وكل واحدٍ منها حرصنا أن نبين ما فيه من فضائل ومظاهر لتعظيم الله جل شأنه.
فمن المعلوم بالضرورة أن تعظيم الله عَزَ وَجَلَّ هو أعظم وسيلة توصل إلى سعادة الفرد والأسرة والمجتمع بل إلى سعادة البشرية كلها في الدنيا والآخرة.
بل إنَّ تعظيمه سبحانه أساس السعادة، وكيف يسعد قلب لا يعظم ربه وخالقه وسيده ومولاه.
ومن عظّم الله عرف أحقية الله عَزَ وَجَلَّ بالذل والخضوع والخشوع والانكسار، وعظّم شرعه وعظّم دينه وعرف مكانة رسله. وهذا التعظيم لله سبحانه يعد أساسًا متينًا يقوم عليه دين الإسلام.
ومن أسماء الله ربنا الحسنى (العظيم)، وهو جَلَّ وَعَلاَ عظيم في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله، عظيم في كلامه وفي وحيه وشرعه وتنزيله، بل لا يستحقّ أحدٌ التّعظيم والتمجيد غيره، فيجب على العباد أن يعظّموه بقلوبهم وألسنتهم وأعمالهم، وذلك ببذل الجهد في معرفته ومحبّته والذّل له والخوف منه، ومن تعظيمه سبحانه أن يطاع فلا يُعصى ويُذكر فلا يُنسى ويُشكر فلا يُكفر، ومن تعظيمه وإجلاله أن يخضع لأوامره وشرعه وحكمه، وأن لا يُعترض على شيء من شرعه.
والأصل أن يكون تعظيم الله في كل مكان وزمان، والله سُبحَانَهُ وَتَعَاَلَى عظّم بعض الأزمنة كرمضان وعشر ذي الحجة ويوم الجمعة وليلة القدر والأشهر الحرم عن غيرها من الأزمنة، وتعظيم هذه الأزمنة من تعظيم الله، كما أن عظّم بعض الأمكنة مثل المساجد عمومًا والحرمين الشريفين والمسجد الأقصى خصوصًا، وتعظيم هذه الأمكنة من تعظيم الله.
أخرج ابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة بن دعامة من أئمة التابعين قال: (إن الله اصطفى صفايا من خلقه، اصطفى من الملائكة رسلًا، ومن الناس رسلاً، واصطفى من الكلام ذِكْره، واصطفى من الأرض المساجد، واصطفى من الشهور رمضان، واصطفى من الأيام يوم الجمعة، واصطفى من الليالي ليلة القدر، فعظِّموا ما عظَّم اللهُ، فإنما تعظُم الأمورُ لما عظِّمها الله تعالى به عند أهل الفهم والعقل).
قال الْعِزُّ بن عبد السَّلام: (فصلٌ في تفاوت الأعمال مع تساويها باختلاف الأماكن والأزمان: اعلم أن الأماكن والأزمان كلها متساوية، ويفضلان بما يقع فيهما لا بصفاتٍ قائمةٍ بهما، ويرجع تفضيلهما إلى ما يُنيل اللهُ العبادَ فيهما من فضله وكرمه… وتفضيل الأماكن والأزمان ضربان:
أحدهما: دنيوي كتفضيل الربيع على غيره من الأزمان.
الضرب الثاني: تفضيلٌ دينيٌ راجع إلى أن الله يجود على عباده فيهما بتفضيل أجر العاملين، كتفضيل صوم رمضان على صوم سائر الشهور، وكذلك يوم عاشوراء وعشر ذي الحجة، ويوم الاثنين والخميس وشعبان وستة أيام من شوال، فضلها راجعٌ إلى جود الله وإحسانه إلى عباده فيها، وكذلك فضلُ الثلث الأخيرمن كل ليلة راجعٌ إلى أن الله يعطي فيه من إجابة الدعوات والمغفرة، وإعطاء السؤال ونيل المأمول ما لا يعطيه في الثلثين الأولين).
وحديثنا هنا حول مظاهر تعظيم الله في شهر رمضان، وسيكون محور الحديث حول خمسة أمور تعظيمها في هذا الشهر من تعظيم الله وهي:
(1) تعظيم القرآن.
(2) تعظيم السنة.
(3) تعظيم النصوص الشرعية.
(4) تعظيم شهر رمضان.
(5) تعظيم ليلة القدر.
نسأل الله تعالى أن يعيننا على نشر الخير دائما .. والإعانة عليه.
وللحديث بقية
المقال الثاني: مظاهر تعظيم الله في رمضان (2) | كيف يكون تعظيم شهر رمضان؟