مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات موقع "مشروع تعظيم الله"

جوهر الإحسان: تعظيم الله في السرائر

جوهر الإحسان: تعظيم الله في السرائر

لو شبهنا مراتب الدين بالجبل الأشمّ لكانت مرتبة الإحسان هي قمته السامقة التي يسعى المؤمنون للوصول إليها وإدراكِها، وهم في سعيهم درجاتٌ بعضُها أعلى من بعض، كما قال الله عزّ وجلّ: ﴿هُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ﴾ [آل عمران:163]، وفي جواب النبي ﷺ عندما سأله جبريل عن الإحسان، قال مبيّنًا معنى الإحسان: ((أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ،  فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ)) [رواه مسلم:9].

فالإحسان إذًا على درجتين:

الأولى: أن يَعبُدَ المُؤمِنُ ربَّه كأنَّه يَراه؛ فيَكونَ مُستحضِرًا بقلبه وبَصيرتِه وفِكرتِه لهذا المَقامِ، حتى يكون كالذي يشاهد ربه بعينه فيراعي حرمته في تصرفه، وفي عمله، وفي قيامه وقعوده وخروجه، وفي عبادته، وهذا المعنى أكثر الناس يغفلون عنه.

فإن عَجَزَ عنه وشقَّ عليه انتقَلَ إلى الدرجة الثانية: أن يَعبُدَ اللهَ مستحضرًا أنَّ اللهَ تَعالَى يَراه ويَطَّلِعُ على سِرِّه وعَلانيتِه، ولا يَخفى عليه شَيءٌ من أمرِه، فيحمله ذلك العلم على أن يحسّن العبادة، ويأتي بها على أكمل الوجوه من الإخلاص والمتابعة.

والمتأمل في معنى الإحسان بدرجتيه يعلم أن المؤمن لا يصل إليه حتى يمتلأ قلبه بتعظيم الله تعالى ومحبته، والحياء منه سبحانه أن يراه على حال لا يرضاه من المخالفة لأوامره أو ارتكاب ما نهى عنه.

فجوهر الإحسان هو خشية الله وتعظيمه ومهابته خاصةً في السرائر وعند الخلوات، وبهذه الصفة مدح الله تعالى عباده المؤمنين، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُم بِالْغَيْبِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ﴾ [الملك:12] فهم يعلمون أنه مطلع عليهم مهما تخفّوْا وتستروا، فيحجزهم ذلك العلم الملازم لقلوبهم عن معصيته، ويدفعهم إلى طاعته منيبين إليه، خاضعين لعظمته جلّ وعلا.

وقد كان النبي ﷺ يعلّم أصحابه كيف يدرّبون أنفسهم على تلك الحال الشريفة من المراقبة والاستحضار لعظمة الله تعالى في قلوبهم، فعن معاذ بن جبل -رضي الله عنه- قال: قلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوْصِنِي. فَقَالَ: ((اعبدِ اللهَ كأنك تراهُ، واعدُد نفسَك في الموتَى، واذكرِ اللهَ عند كلِّ حَجرٍ، وعند كلِّ شجَرٍ، وإذا عمِلتَ سيئةً فاعمل بِجَنبِها حَسنةً، السِّرُّ بالسِّرِّ، والعَلانيةُ بالعَلانيةِ)) [صحيح الترغيب: 3342].   

 ونراه ﷺ يوصي أصحابه بتعظيم الله تعالى مقربًا لهم المعنى بهذا التشبيه، ولله المثل الأعلى، عن سعيد بن يزيد أبو سلمة رضي الله عنه أنه قال للنبي ﷺ: أوصني! قال: ((أوصيكَ أنْ تَسْتَحِيَ مِنَ اللهِ عزَّ وجلَّ كما تَسْتَحِي رجلًا من صالِحِي قَوْمِك)) [رواه البيهقي في شعب الإيمان: 6/145].

ويُعلِّم المؤمنين أن الدعاء من أهم أسباب تحصيل خشية الله وتعظيمه التي هي لُبّ الإحسان وجوهره، فقد كان من دعائه ﷺ: ((اللهمَّ إِنَّي أسألُكَ خشْيَتَكَ في الغيبِ والشهادَةِ)).

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قلَّما كانَ رسولُ اللَّهِ ﷺ يقومُ من مَجلسٍ حتَّى يدعوَ بِهَؤلاءِ الكلِماتِ لأصحابِهِ: ((اللَّهمَّ اقسِم لَنا من خشيتِكَ ما يَحولُ بينَنا وبينَ معاصيكَ..)) الحديث [الترمذي: 3502]، أي: اللَّهمَّ ارزُقْنا نَصيبًا وحَظًّا من الخوف منك وتعظيمك وإجلالك يكونُ حائِلًا ومانِعًا مِن الوُقوعِ في المعصيةِ والذُّنوبِ؛ لأنَّ العَبدَ إذا امتَلَأ قلبُه إجلالًا وتَعظيمًا للهِ عزَّ وجلَّ؛ فإنَّ ذلك يَمنَعُه مِن أن يَرتَكِبَ المحظوراتِ تعظيمًا وهيبةً لله تعالى.

ومن سُبُلِ الوصول إلى جوهر الإحسان من تعظيم الله وخشيته:

  • دوام مطالعة معاني أسمائه الحسنى وصفاته العلى التي وصف بها نفسه – سبحانه – في كتابه الكريم وفي سنة نبيه ﷺ، يقول العزّ بن عبد السلام: (فهم معاني أسماء الله عزّ وجلّ وسيلةٌ إلى معاملته بثمراتها من الخوف والرجاء والمهابة والمحبة والتوكل، وغير ذلك من ثمرات معرفة الصفات).
  • ومن سبل الوصول إلى جوهر الإحسان: استحضار علمه سبحانه بكل ما يقوله العباد ويعملونه سرًّا وعلانيةً في ليلٍ أو نهار، قال تعالى: ﴿وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ﴾ [يونس:61].
  • ومن سبل الوصول أيضا: تعظيم الله تعالى عند كل همّ بعمل، وإصلاح النوايا والسرائر. فالسرائر أمرها عظيم وشأنها خطير، ولو خفيت على الناس، فإنها لا تخفى على الله عزّ وجلّ، فالسرّ عنده علانية، وخفايا القلوب له بادية، قال تعالى: ﴿وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى﴾ [طه: 8،7].

ولا زال الصالحون يتواصون بذلك، فعن حاتم الأصمّ قال: “تعاهد نفسك في ثلاث: إذا عَمِلتَ فاذكر نظرَ الله إليك، وإذا تكلَّمتَ فاذكر سمعَ الله منك، وإذا سَكَتَّ فاذكر علمَ الله فيك”.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المراجع:

– يوم تبلى السرائر: عبد العزيز ناصر الجُلَيل.

– شرح الأصول الثلاثة: خالد المصلح.

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop