مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

تعظيم الأمر والنهي

تعظيم الأمر والنهي

عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، أَنَّهُ زَوَّجَ أُخْتَهُ رَجُلاً مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ مَا كَانَتْ، ثُمَّ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً لَمْ يُرَاجِعْهَا حَتَّى انْقَضَتِ العِدَّةُ، فَهَوِيَهَا وَهَوِيَتْهُ، ثُمَّ خَطَبَهَا مَعَ الخُطَّابِ، فَقَالَ لَهُ: يَا لُكَعُ أَكْرَمْتُكَ بِهَا وَزَوَّجْتُكَهَا فَطَلَّقْتَهَا، وَاللَّهِ لاَ تَرْجِعُ إِلَيْكَ أَبَدًا آخِرُ مَا عَلَيْكَ، قَالَ: فَعَلِمَ اللَّهُ حَاجَتَهُ إِلَيْهَا، وَحَاجَتَهَا إِلَى بَعْلِهَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}، إِلَى قَوْلِهِ: {وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ} فَلَمَّا سَمِعَهَا مَعْقِلٌ قَالَ: سَمْعًا لِرَبِّي وَطَاعَةً، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ: أُزَوِّجُكَ وَأُكْرِمُكَ([1]).

تأمل كيف عظَّم معقل بن يسار – رضي الله عنه- أمر ربه، وكيف بادر لامتثال الأمر؟

بل إن نساء الأنصار بادرن لامتثال الأمر؛ تعظيماً للآمر سبحانه وتعالى:

عنْ أُمِّ سَلَمَةَ، قَالَتْ: ” لَمَّا نَزَلَتْ: {يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ} [الأحزاب: 59]، خَرَجَ نِسَاءُ الْأَنْصَارِ كَأَنَّ عَلَى رُءُوسِهِنَّ الْغِرْبَانَ مِنَ الأَكْسِيَةِ “([2]).

وتعظيم الامر والنهي: “هو أن لا يعارضا بترخص جاف، ولا يعرضا لتشديد غال، ولا يحملا على علة توهن الانقياد”.

ولا يتم الإيمان بالله – سبحانه وتعالى- إلا بتعظيمه، ولا يتم تعظيمه إلا بتعظيم أمره ونهيه، فعلى قدر تعظيم العبد لله سبحانه؛ يكون تعظيمه لأمره ونهيه، وتعظيم الأمر دليل على تعظيم الآمر.

 وأول مراتب تعظيم الأمر التصديق به، ثم العزم الجازم على امتثاله، ثم المسارعة إليه والمبادرة به رغم القواطع والموانع، ثم بذل الجهد والنصح في الإتيان به على أكمل الوجوه، ثم فعله لكونه مأمورا به بحيث يتوقف الإنسان على معرفة حكمته، فإن ظهرت له فعله وإلا عطله؛ فهذا من عدم عظمته في صدره، بل يسلم لأمر الله وحكمته، ممتثلا ما أمر به سواء ظهرت له حكمته أو لم تظهر؛ فإن ورد الشرع بذكر حكمة الأمر أو فقهها العقل؛ كانت زيادة في البصيرة والداعية في الامتثال، وإن لم تظهر له حكمته؛ لم يوهن ذلك انقياده، ولم يقدح في امتثاله؛ فالمعظم لأمر الله يجري الأوامر والنواهي على ما جاءت لا يعللها بعلل توهنها وتخدش في وجه حسنها فضلا عن أن يعارضها بعلل تقتضي خلافها فهذا حال ورثة إبليس، والتسليم والانقياد والقبول حال ورثة الأنبياء([3]).

ومن علامة التعظيم للأوامر: رعاية أوقاتها وحدودها، والتفتيش على أركانها وواجباتها وكمالها، والحرص على تحينها في أوقاتها، والمسارعة إليها عند وجوبها، والحزن والكآبة والأسف عند فوت حق من حقوقها.

ومن علامات تعظيم الأمر والنهي أن لا يسترسل مع الرخصة إلى حد يكون صاحبه جافياً غير مستقيم على المنهج الوسط.

ومن علامات تعظيم المناهي: الحرص على التباعد من مظانها وأسبابها وما يدعو إليها، ومجانبة كل وسيلة تقرب منها، كمن يهرب من الأماكن التي فيها الصور التي تقع بها الفتنة خشية الافتتان بها.

وأن يدع ما لا بأس به حذراً مما به بأس، وأن يجانب الفضول من المباحثات خشية الوقوع في المكروه، ومجانبة من يجاهر بارتكابها ويحسنها ويدعو اليها ويتهاون بها ولا يبالي ما ركب منها، فإن مخالطة مثل هذا داعية إلى سخط الله تعالى وغضبه، ولا يخالطه إلا من سقط من قلبه تعظيم الله تعالى وحرماته.

ومن علامات تعظيم النهي: أن يغضب الله عز وجل إذا انتهكت محارمه، وأن يجد في قلبه حزناً وكسرة إذا عُصِىَ الله تعالى في أرضه، ولم يضلع بإقامة حدوده وأوامره، ولم يستطع هو أن يغير ذلك.

وقد ذمَّ الله من لا يعظم أمره ونهيه، قال سبحانه وتعالى: {ما لكم لا ترجون لله وقاراً} أي: ما لكم لا تخافون لله تعالى تعظيمًا.

عظِّم أمر ربك؛ لتبرهن على حسن إيمانك، ويعظُم قدرك.

[1] سنن الترمذي، ( 2981). قال الألباني صحيح.

[2] سنن أبي داود،( 4101)، قال الألباني صحيح.

[3] الصواعق المرسلة، لابن القيم: 4/ 1562.

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop