مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات موقع (تعظيم الله)

توحيد الأسماء والصفات

 

توحيد الأسماء والصفات

قال مالك بن أنس-رضي الله عنه- لرجل سأله عن الاستواء في قوله تعالى: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]؛ فقال له مالك: «الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والسؤال عن هذا بدعة، وأظنك رجل سوء أخرجوه عني». فأدبر السائل وهو يقول: يا أبا عبد الله لقد سألت عنها أهل العراق وأهل الشام فما وفِق أحد توفيقك ([1]).

فهو سبحانه مستوٍ على العرش استواءً يليق بجلاله وعظمته، لا يشابه خلقه في استوائهم، فاستواؤه على العرش ليس من جنس استواء المخلوقين على دوابهم، وعلى سياراتهم، وعلى طائراتهم، وعلى سطوحهم، بل هو استواء يليق بالله لا يشابه خلقه في شيء من صفاته جل وعلا كما قال سبحانه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير} [الشورى:11].

وتوحيد الأسماء والصفات: هو إفراد الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلى الواردة في القرآن والسنة، والإيمان بمعانيها وأحكامها.

  وقد أخبر الرسول  ﷺ عن الله تعالى، مِن أسماء الله وصفاته، ممَّا جاء في القرآن وفي السُّنَّة الثَّابتة عنه، وواجب على كل مسلم تصديقُه فيما أخبر، كما صدَّق به السَّابقون الأوَّلون مِن المهاجرين والأنصار، والذين اتَّبعوهم بإحسان، الذين رضي الله عنْهم ورضوا عنه.

والله  – سبحانه – يُحبُّ أسماءَه وصفاته؛ لذا كان أحبَّ الخلْق إليْه منِ اتَّصف بالصِّفات التي يحبُّها؛ فهو مُحسن يُحب المُحْسنين، شكور يُحب الشَّاكرين، جَميل يحبُّ الجمال، طيِّب يحبُّ كلَّ الطيب، عليمٌ يحب العُلماء مِن عباده، كريم يحبُّ الكُرَماء، قويٌّ، والمؤمنُ القويُّ أحبُّ إليْه مِن المؤمن الضَّعيف، برٌّ يُحب الأبرار، عدْلٌ يُحب أهل العدل، حييٌّ ستِّير يحبُّ أهل الحياء والسَّتر، غفورٌ عفوٌّ يُحب مَن يعفو عن عبادِه ويغفر لهم، صادق يحبُّ الصَّادقين، رفيق يحبُّ الرِّفق، جواد يحب الجُود وأهلَه، رحيم يحبُّ الرُّحماء، وتْرٌ يحب الوتْرَ، ويحبُّ أسماءه وصفاته، ويُحب المتعبِّدين له بها، ويحبُّ مَن يسأله ويدعوه بها، ويحبُّ مَن يعرفها ويعقلها، ويُثْني عليه بها، ويَحمده ويمدحه بها.

روى مسلم بسنده عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ-رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ مَدَحَ نَفْسَهُ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ، وَلَيْسَ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللهِ، مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ أَنْزَلَ الْكِتَابَ وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ»([2]).

ومَن عرف الله بأسمائه وصفاته؛أحسَن عبادته:

فعِلْمُ العبدِ بتفرُّد الرَّبِّ – تعالى – بالضَّرِّ والنَّفع، والعطاء والمنْع، والخَلق والرزق، والإحياء والإماتة؛ يُثمر له عبوديَّة التوكل عليه باطنًا، ولوازم التوكُّل وثمراته ظاهرًا.

وعِلمُه بسمْعه – تعالى – وبصَره، وعِلمُه أنَّه لا يَخفَى عليه مثقال ذرَّة في السَّماوات ولا في الأرض، وأنَّه يَعلم السِّرَّ وأخفَى، وأنه يعلم خائنة الأعيُن وما تُخْفي الصدور؛ يُثمر له حِفظ لسانه وجوارحه وخطرات قلبه عن كل ما لا يُرْضي الله، وأن يجعل تعلُّق هذه الأعضاء بما يحبُّه الله ويرْضاه؛ فيُثمر له ذلك الحياءَ باطنًا، ويُثمر له الحياءُ اجتِنابَ المحرَّمات والقبائح.

ومعرفتُه بغِناه وَجُودِه وكرمِه، وبرِّه وإحسانه ورحْمته؛ يوجب له سعة الرَّجاء، ويُثمر له ذلك مِن أنواع العبوديَّة الظَّاهرة والباطنة بِحسب معرفته وعِلمه.

وكذلك معرفتُه بِجلال الله وعظَمتِه وعزِّه يُثْمِر له الخضوعَ والاستِكانة والمحبَّة، وتُثمر له تلك الأحوالُ الباطنةُ أنواعًا مِن العبوديَّة الظاهرة هي موجباتُها، وكذلك عِلمُه بكماله وجَماله وصفاتِه العُلى يوجِب له محبَّةً خاصَّة بمنزلة أنواع العبوديَّة.

فرجعتِ العبوديةُ كلها إلى مقتضى الأسماء والصِّفات، وارتبطتْ بها ارتباط الخلْق بِها، فخلقُه – سبحانَه – وأمرُه هو موجب أسمائه وصفاته في العالم وآثارها ومقتضاها.

 

فلا حياةَ للقلوب، ولا نعيم ولا لذَّة، ولا سرور ولا أمان ولا طمأنينة، إلَّا بأن تعرف ربَّها ومعبودَها وفاطرها، بأسمائه وصفاته وأفعاله، ويكون أحبَّ إليْها ممَّا سواه، ويكونَ سعيُها في ما يقرِّبُها إليه ويُدْنيها مِن مَرضاته.

 

[1] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز، لابن عطية:4/37.

[2] صحيح مسلم: باب غيرة الله تعالى وتحريم الفواحش، (2760).

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop