مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

مخالفات تنافي تعظيم الله تعالى

عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، جُهِدَتِ الْأَنْفُسُ، وَضَاعَتِ الْعِيَالُ، وَنُهِكَتِ الْأَمْوَالُ، وَهَلَكَتْ الْأَنْعَامُ، فَاسْتَسْقِ اللَّهَ لَنَا فَإِنَّا نَسْتَشْفِعُ بِكَ عَلَى اللَّهِ وَنَسْتَشْفِعُ بِاللَّهِ عَلَيْكَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا تَقُولُ؟» وَسَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَمَا زَالَ يُسَبِّحُ حَتَّى عُرِفَ ذَلِكَ فِي وُجُوهِ أَصْحَابِهِ، ثُمَّ قَالَ: «وَيْحَكَ إِنَّهُ لَا يُسْتَشْفَعُ بِاللَّهِ عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ، شَأْنُ اللَّهِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَيْحَكَ أَتَدْرِي مَا اللَّهُ، إِنَّ عَرْشَهُ عَلَى سَمَاوَاتِهِ لَهَكَذَا» وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ مِثْلَ الْقُبَّةِ عَلَيْهِ «وَإِنَّهُ لَيَئِطُّ([1]) بِهِ أَطِيطَ الرَّحْلِ بِالرَّاكِبِ»([2]).

فالقول بأن الله عز وجل يستشفع به على خلقه قول خطير وأمر عظيم، ومخالفة صريحة لعظمة الله وجلاله؛ لهذا سبَّح النبي صلى الله عليه وسلم مستعظماً ومتعجباً، وقال: [(شأن الله أعظم من ذلك)]، ثم ذكر أنه فوق عرشه، وأن عرشه فوق مخلوقاته.

وهكذا يجب على كل مؤمن رسخ في قلبه تعظيم ربه؛ عندما يجد مظاهر في مخالفة تعظيم الخلق للخالق أن ينتفض مسبحاً لله معظماً لجلاله.

ويلحظ الغيور على قَدْر الله ووقاره وكبريائه في حال المسلمين ثمة مخالفات تنافي تعظيم الله (تعالى) وشعائره كالاستهزاء، أو الاستخفاف، أو الازدراء، أو الانتقاص لدين الله (تعالى) وشعائره. وتظهر هذه المخالفات عبر وسائل الإعلام المختلفة، ومن خلال منابر ثقافية ومؤسسات علمية مشبوهة وغيرها.

ومن أهم أسباب وقوع تلك المخالفات المنافية للتعظيم: الجهل بالله (تعالى)، وقلة العلم به جلا في علاه.

  وأيضاً كثرة الترخص والمداهنات والتنازلات من علماء السوء الذين أُشربوا حب الدنيا والرياسة؛ فجعلوا الدين ألعوبة يأخذون منه ويدعون.

 و”كل من آثر الدُّنْيَا من أهل الْعلم واستحبها؛ فَلَا بُد أَن يَقُول على الله غير الْحق فِي فتواه وَحكمه فِي خَبره وإلزامه؛ لِأَن أَحْكَام الرب سُبْحَانَهُ كثيرا مَا تَأتي على خلاف أغراض النَّاس”([3]).

ومن مظاهر مخالفة تعظيم الله أن: “أكثر الخلق بل كلهم إلا من شاء الله يظنون بالله غير الحق ظن السوء، فإن غالب بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق ناقص الحظ، وأنه يستحق فوق ما أعطاه الله ولسان حاله يقول: ظلمني ربي، ومنعني ما أستحقه، ونفسه تشهد عليه بذلك، وهو بلسانه ينكره، ولا يتجاسر على التصريح به، ومن فتش نفسه وتغلغل في معرفة دفائنها وطواياها؛ رأى ذلك فيها كامنا كمون النار في الزناد؛ فاقدح زناد من شئت ينبئك شراره عما في زناده، ولو فتشت من فتشته لرأيت عنده تعتبا على القدر وملامة له واقتراحا عليه خلاف ما جرى به، وأنه كان ينبغي أن يكون كذا وكذا، فمستقل ومستكثر، وفتش نفسك هل أنت سالم من ذلك؟([4]).

ومن مظاهر مخالفة تعظيم الله: التسخطُ والاعتراضُ على الأقدار؛ فهي من أخطر أمراض القلوب، ومن مظاهر ذلك قولُ بعضهم إذا أُصيب بمصيبة: ماذا فعلتُ يا ربي؟ أو أنا لا أستحقُّ ذلك، أو عندما يرى على أحدٍ نعمةً فيحسُده عليها قائلًا: لماذا فلان عندَه كذا وكذا وأنا ما عندي شيء؟! وكذلك ما يقوله بعضُهم إذا أُصِيبَ شخصٌ بمصيبة: فلانٌ مسكينٌ لا يستحقّ ما جرى له!

ومن مظاهر مخالفة تعظيم الله: الاعتقاد بأن النفع والضر بيد أحد من الخَلْق، ومِنْ صُوَر ذلك نسبةُ الشفاء لغير الله؛ مع أن طلبَ الشفاء لا يكون إلا مِنَ اللهِ وحدَه؛ فهو الذي يشفي من الأمراض جميعِها، أمراضِ القلوب، وأمراضِ الأبدان، وما أعظم ما قاله عز وجل على لسان إبراهيم -عليه السلام- {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِين} [الشعراء:80].

ومن مظاهر مخالفة تعظيم الله: ما حكاه الله عن قوم لم يُعظِّموه حقَّ تعظيمه؛ فقال سبحانه:{أَلا إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُواْ مِنْهُ أَلا حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُور}[هود:5]؛ أَيْ إنهم كانوا يثنون صدورَهم إذا قالوا شيئًا أو عملوه، يظنُّون أنهم يستخفون من الله بذلك؛ فأعلَمَهم أنهم حين يتغطَّون بثيابهم عند منامهم في ظُلمة الليل يعلم ما بداخلها، كما يعلم ما بخارجها، وهو عليمٌ بما تُكِنّ صدورُهم من النيات والضمائر والسرائر.

ومن مظاهر مخالفة تعظيم الله: التسوية بين الأخيار والفُجَّار، والأبرار والأشرار، وهم بذلك يَنسِبون إلى الله -عز وجل- ما لا يليق بجلاله، ويتنافى مع عظمته وعدله وكماله، قال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّار} [ص:28].

فلننزه الله جل في علاه كما نزَّه نفسه عما يصفه به الواصفون، {سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُون}[الصافات:159]

[1] ليتضايق ويعجز عن القيام به.

[2] سنن أبي داود: باب في الجهمية، (4726).

[3] الفوائد، لابن القيم: 100.

[4] زاد المعاد في هدي خير العباد، لابن القيم: 3/ 211.

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop