النجوم بين تعظيم خالقها والشرك فيها
قال بعض السلف: من اعتقد في هذه النجوم غير ثلاث؛ فقد أخطأ، وكَذَب على الله:
قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُواْ بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُون}[الأنعام:97].
فهذا تذكير بوحدانية الله، وبعظيم خِلْقَةِ النجوم، وبالنعمة الحاصلة من نظام سيرها؛ إذ كانت هداية للناس في ظلمات البر والبحر يهتدون بها.
فحين تشتبه على الناس المسالك، ويتحيرَّ في سيره السالك؛ جعل الله النجوم هداية للخلق إلى السبل، التي يحتاجون إلى سلوكها لمصالحهم، وتجاراتهم، وأسفارهم.
منها: نجوم لا تزال تُرَى، ولا تسير عن محلها.
ومنها: ما هو مستمر السير؛ يعرف سيره أهل المعرفة بذلك، ويعرفون به الجهات والأوقات.
وفي الآية دلالة على مشروعية تعلُّم سير الكواكب ومحالِّها الذي يسمى علم التسيير؛ فإنه لا تتم هداية الخلق إلى السبل التي يحتاجون إلى سلوكها لمصالحهم، وتجاراتهم، وأسفارهم، ولا تمكن إلا بذلك.
وخصَّ أهل العلم؛ لأنهم هم الذين انتفعوا بدلائل الآيات، ووفقوا إلى تعظيم رب البريات.
وقال تَعَالى: {وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُون} [النحل:16].
فمن منته على خلقه وعظمته في تدبير نظام كونه الاهتداء بالنجوم في الليل؛ لأن السبيل والعلامات؛ إنما تهدي في النهار، وقد يضطر السالك إلى السير ليلا؛ فمواقع النجوم علامات لاهتداء الناس السائرين ليلا تعرف بها السماوات، وأخص من يهتدي بها البحارة؛ لأنهم لا يستطيعون الإرساء في كل ليلة، فهم مضطرون إلى السير ليلا، وهي هداية عظيمة في وقت ارتباك الطريق على السائر.
وفي هذا التدبير الحكيم من الرب العظيم دلائل على الاهتداء إلى الدين الحق، وهو دين التوحيد؛ لأن في تلك الأشياء دلالة على الخالق المتوحد بالخلق.
ولما ذكر تعالى ما خلقه من المخلوقات العظيمة، وما أنعم به من النعم الجليلة ومنه النجوم؛ ذكر أنه لا يشبهه أحد ولا كفء له ولا ند له؛ لينبه عباده إلى عظمته؛ ليوحدوه، ويعبدوه، ويعظَّموه فقال: {أَفَمَن يَخْلُقُ} جميع المخلوقات، وهو الفعال لما يريد {كَمَن لاَّ يَخْلُقُ} شيئا لا قليلاً ولا كثيرًا، {أَفَلا تَذَكَّرُون} فتعرفون أن المنفرد بالخلق أحق بالعبادة كلها، فكما أنه واحد في خلقه وتدبيره؛ فإنه واحد في إلهيته وتوحيده وعبادته.
وبالرغم من هذا البيان وهذا البرهان على وظيفة النجوم كما خلقها الرحمن، ودلالتها على عظيم خلق الله، ودقة النظام الكوني، وتحقيق مصالح ومنافع العباد إلا أن صنفاً من البشر استدل بالنجوم على الأحوالِ الفلكيَّةِ على الحوادثِ الأرضيَّةِ التي لم تقعْ، وهذا غيب استأثر الله بعلمه.
وقد أخبر الرسول ﷺ عن هذا الصنف فيما رواه أَبُو دَاودَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ اقْتَبَسَ عِلْمًا مِنَ النُّجُومِ، اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ»([2]).
والتنجيم ثلاثةُ أنواعٍ:
النوعُ الأولُ: الاعتقادُ في النجومِ أنها مؤثِّرةٌ بذاتها، كمن يعتقد أن النجم هو الذي ينزل المطر بذاته، وهذا كفرٌ أكبرُ.
النوعُ الثاني: الاستدلالُ بحركةِ النُّجومِ، والتقائِها، وافتراقِها، وطلوعِها وغروبِها، على ما سيحصلُ في الأرضِ، وهذا كبيرةٌ من الكبائرِ.
النوعُ الثالثُ: الاستدلالُ بمنازلِ النجومِ وحركاتها، على معرفةِ اتجاه القِبْلةِ، والأوقاتِ، وما يصلحُ من الأوقاتِ للزرعِ وما لا يصلحُ، والاستدلالُ بها على وقتِ هبوبِ الرياحِ، ونحوِ ذلك، وهذا جائزٌ.
ومن صور الشرك في النجوم: «الاستسقاءُ بالنُّجومِ»، قال النبي ﷺ: «أَرْبَعٌ في أُمَّتي مِن أمْرِ الجاهِلِيَّةِ منها: والاسْتِسْقاءُ بالنُّجُومِ…» ([3])
ويُقصَدُ به الدُّعاءُ وطَلبُ السُّقيا بنُزولِ المطرِ، بِاعتقادِ أنَّ النُّجومَ سَببٌ في ذلكَ، كَما كانوا يَقولونَ في الجاهليَّةِ: مُطِرْنا بنَوءِ كَذا، واعتقادُ أنَّها المؤثِّرةُ في نُزولِ المطرِ حَقيقةً كُفرٌ.
والمَطرُ مِن رَحمةِ اللهِ ﷻ بعِبادِه، ويَنزِلُ بَقدَرِه، وهوَ مِنَ الأُمورِ الَّتي قالَ اللهُ فيها: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان: 34].
ألا فلنعظم الله ﷻ فيما أمر أونهى؛ ولنحذر مما حذرنا منه، وحذرنا منه رسوله ﷺ؛ لنكون على الإيمان الحق.
[1] تفسير ابن كثير، ت: سلامة: 3/ 305.
[2] سنن أبي داود: باب في النجوم، (3905)، قال الألباني: حديث حسن.
[3] صحيح مسلم، (934)