مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

التفكر في آيات الله الكونية

التفكر في آيات الله الكونية

… قَالَ بلال – رضي الله عنه-: يَا رَسُولَ الله تَبْكِي وَقَدْ غَفَرَ الله لَكَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ؟

قَالَ: أَفَلاَ أكُونُ عَبْداً شَكُوراً؟  لَقَدْ نَزَلَتْ عَلَيَّ اللَّيْلَةَ آيَة، وَيْل لِمَنْ قَرَأَهَا وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيهَا: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماوات} [آل عمران: 190] الآيَةَ كُلَّهَا ([1]).

فالعبد إذا استن بسنة النبي الحبيب ﷺ وتفكر في الآية؛ وجد فيها دلالات واضحات على وجود الصانع ووحدته، وكمال علمه وعظيم قدرته لذوي العقول الخالصة الصافية، الذين يفتحون بصائرهم للنظر والاستدلال والاعتبار، ووجه دلالتها على ذلك أنها في غاية الإتقان ونهاية الإحكام لمن تأمل فيها.

والفكر:  (هو مفتاح الأنوار، ومبدأ الاستبصار، وهو شبكة العلوم، ومصيدة المعارف والفهوم)؛ لذلك حث الله عليه في كتابه؛ لأنه يكشفُ عن عظمة الخالق، ويجعل المرءَ يُقِرُّ بوحدانية الله عز وجل، ويتواضع لعظمته، ويحاسب نفسَه على أخطائها؛ فيزداد إيمانًا وصفاءً، ويُورث الحكمة، ويُحيي القلوب، ويُورث فيها الخوف والخشية من الله عز وجل، فما طالت فكرة امرئ إلا عَلِم، وما علم امرؤ قطُّ إلا عمل، فالتّفكّر يدعو إلى الخير والعمل به، ولو تفكَّر الناس في عظمة الله عز وجل ما عصوه.

وإذا تأمل العبد في جميع المخلوقات من الذرة إلى العرش وجد أنها سبل متصلة إلى معرفة قدرته وعظمته سبحانه وتعالى، وحجج بالغة على أزليته.

تأمل خلق السمـاء وارجع البصر فيها كرَّة بعد كرَّة كيف تراها من أعظم الآيات في علوها وارتفاعها، وسعتها وقرارها، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِن فُطُور. ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئاً وَهُوَ حَسِير}[الملك:3-4]. ألا يدل ذلك على عظمة الخالق، واستحقاقه للتعظيم؟

وتأمل خلق الأرض؛ تراها من أعظم آيات فاطرها وبديعها، خلقـها سبحانه فراشًا ومهادًا، وذلَّـلها لعباده، وجعل فيها أرزاقهم، وأقواتـهم ومعايشهم، وجعل فيها السبل لينـتقلوا فـيها فـي حوائجهم، وتصرفاتهم، وأرساها بالجبال فجعلها أوتادًا تحفظها لئلا تميد بهم، ووسع أكنافها ودحاها، فمدها وبسطها وطحاها فوسعها من جوانبها، وجعلها كفاتًا للأحياء تضمهم على ظهرها ما داموا أحياء، وكفاتًا للأموات تضمّهم في بطنها إذا ماتوا، قال جلَّ شأنه {أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا. أَحْيَاء وَأَمْوَاتًا. وَجَعَلْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ شَامِخَاتٍ وَأَسْقَيْنَاكُم مَّاء فُرَاتًا}[المرسلات:25- 27].

ثم انظر إليها وهي ميتة هامدة خاشعة فإذا أنزل الله عليها الماء، اهتزت وربت، فارتفعت واخضرت وأنبتت من كلّ زوج بهيج، فأخرجت عجائب النبات في المنظر والمخبر، بهيج للناظرين كريم للمتناولين، قال تعالى: {وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيج}[الحج:5]. ألا يدل ذلك على عظمة خالقها، واستحقاقه للتعظيم؟

ثم تأمل هذا الهواء اللطيف المحبوس بين السماء والأرض؛ فهو يجري بين السماء والأرض، والطير محلقة فيه سابحة بأجنحتها، {وَالطَّيْرُ صَافَّاتٍ} [النور:41]. ألا يدل ذلك على عظمة الخالق، واستحقاقه للتعظيم؟

ثم تأمَّل كيف ينشئ سبحانه بهذا الريح السحاب المسخر بين السماء والأرض فتثيره كسفاً، ثم يؤلف بينه ويضم بعضه إلى بعض، ثم تلقحه الريح، ثم يسوقه على متونها إلى الأرض المحتاجة إليه، فإذا علاها واستوى عليها أهراق ماءه عليها؛ فيرسل سبحانه عليه الريح وهو في الجو؛ فتذروه وتفرقه لئلا يؤذي ويهدم ما ينزل عليه بجملته حتى إذا رويت وأخذت حاجتها منه أقلع عنها وفارقها، قال تعالى: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاء وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُون}[الروم:48].

ثم تأمل تسخير البحر، وما فيه من النعم، ولولا إمساك الرب تبارك وتعالى له بقدرته ومشيئته، وحبسه الماء لطفح على الأرض وعلاها كلّها، {وَهُوَ الَّذِي سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيًّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون}[النحل:14] ألا يدل ذلك على عظمة الخالق، واستحقاقه للتعظيم؟

وتأمل الليل والنهار وهما من أعجب آيات الله كيف جعل الليل سكنًا ولباسًا يغشى العالم فتسكن فيه الحركات، وتأوي الحيوانات إلى بيوتها، والطير إلى أوكارها، وتستجم النفوس وتستريح من كدِّ السعي والتعب حتى إذا أخذت منها النفوس راحتها وسباتها وتطلعت إلى معايشها وتصرفها جاء فالق الإصباح سبحانه وتعالى بالنهار؛ فإذا هم مبصرون؛ فانتشر الحيوان وتصرف في معاشه ومصالحه، وخرجت الطيور من أوكارها، ألا يدل ذلك على عظمة الخالق، واستحقاقه للتعظيم؟ قال تعالى: {فَالِقُ الإِصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ.

وبعد التفكر في آياته الدالة على قدرته وعظمته ردد:

ربي لك الحمد العظيم لذاتك                         حمداً وليس لواحد إلاكا

 

 

[1] صحيح ابن حبان، ذكر البيان بأن المرء عليه إذا تخلى لزوم البكاء على ما ارتكب من الحوبات…،( 620)، قال الألباني: حسن، «الصحيحة» (68).

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop