مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ

قال سفيانُ بنُ عُيَينةَ- رحمه الله-، ما يقولُ هذا الدُّويبةُ؟ -يعني بِشرًا المريسية- قالوا: يا أبا مُحمَّدٍ، يزعُمُ أنَّ القرآنَ مخلوقٌ، فقال: كذَب؛ قال اللهُ عزَّ وجلَّ:{ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ } فالخَلقُ خَلْقُ اللهِ تبارك وتعالى، والأمرُ القُرآنُ([1]).

فاحتج – رحمه الله- بالآية على من قال أن القرآنَ مخلوق.

والمتأمل في كتاب الله؛ يجد كثيرًا ما يقرن سبحانه وتعالى في كتابه بين الخلق والأمر ثم يذكر عقب ذلك مظهرًا من مظاهر عظمته وجلاله.

تأمل قوله تعالى: {مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى. إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى. تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى. الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:2-5].

وذلك أنه الخالق الآمر الناهي، فكما أنه لا خالق سواه؛ فليس على الخلق إلزام ولا أمر ولا نهي إلا من خالقهم.

وكما أن الخلق لا يخرج عن حكمته وعلمه؛ فكذلك لا يأمر ولا ينهى إلا بما هو عدل وحكمة وإحسان.

فخلقه وأمره صدرا عن حكمته وعلمه، وحكمته وعلمه اقتضيا ظهور خلقه وأمره؛ فمصدر الخلق والأمر عن هذين المتضمنين لهاتين الصفتين.

ولما بين أنه الخالق المدبر الآمر الناهي؛ أخبر عن عظمته وكبريائه فقال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ} الذي هو أرفع المخلوقات وأعظمها وأوسعها {اسْتَوَى} استواء يليق بجلاله ويناسب عظمته وجماله.

وتأمل قوله: {أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِين} [الأعراف:54].

أي: له الخلق الذي صدرت عنه جميع المخلوقات علويها وسفليها، أعيانها وأوصافها وأفعالها، والأمر المتضمن للشرائع والنبوات.

فالخلق: يتضمن أحكامه الكونية القدرية، والأمر: يتضمن أحكامه الدينية الشرعية.

ثم أحكام الجزاء، وذلك يكون في دار البقاء.

ثم أعقب ذلك بذكر عظمته؛ فقال: {تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِين} أي: عظُم وتعالى وكثُر خيره وإحسانه، فتبارك في نفسه لعظمة أوصافه وكمالها، وبارك في غيره بإحلال الخير الجزيل والبر الكثير.

فهو سبحانه وتعالى المستحق للبركة والمجد والعظمة؛ لأنه مفيض خيرات الإيجاد والإمداد، ومدبر أحوال الموجودات، بوصف كونه رب أنواع المخلوقات.

ثم تأمل في قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:12].

أخبر  سبحانه وتعالى أنه خلق الخلق من السماوات السبع ومن فيهن، والأرضين السبع ومن فيهن، وما بينهن، وأنزل الأمر، وهو الشرائع والأحكام الدينية التي أوحاها إلى رسله؛ لتذكير العباد ووعظهم، وكذلك الأوامر الكونية والقدرية التي يدبر بها الخلق، كل ذلك لأجل أن يعرفه العباد ويعلموا إحاطة قدرته بالأشياء كلها، وإحاطة علمه بجميع الأشياء فإذا عرفوه بأوصافه المقدسة وأسمائه الحسنى وعبدوه وأحبوه وقاموا بحقه، فهذه الغاية المقصودة من الخلق والأمر ،معرفة الله وتعظيمه وإجلاله وعبادته؛ فقام بذلك الموفقون من عباد الله الصالحين، وأعرض عن ذلك، الظالمون المعرضون.

وتأمل كيف أعقب ذكر خلقه وأمره بقوله: {لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا} [الطلاق:12].

فجعل العلة مما أراده سبحانه من خلقه السماوات والأرض وإنزاله لأمره الشرعي المُحكم أن يعلم الناس عظمته وقدرته سبحانه على كل شيء، وإحاطة علمه بكل شيء.

وإعلام الله لعباده باختصاصه بالخلق والأمر المبني على الحكمة والعلم؛ يُنْشئ في قلوبهم عقيدة: أن اللّه الذي أحاط بكل شيء علما هو الذي يأمر بهذه الأحكام؛ فقد أنزلها وهو يحيط بكل ظروفهم، وملابساتهم، ومصالحهم، واستعداداتهم. فهي أولى بالاتباع لا يلتفتون عنها أدنى التفات تعظيماً وإجلالاً لعظمة الآمر، ولأنها من وضع العليم المحيط بكل شيء علمًا، وأن هذه الأحكام يمتثلها وينتفع بها من يشعر بعلم اللّه واطلاعه على كل شيء، ومن كانت تقوى الله هي شعاره ودثاره، وأن غَايَة الْخلق وَالْأَمر أن يُطَاع جلا جلاله؛ فلا يعصى، وأَن يُذْكَر بعظمته وجلاله، وَأَن يشْكر على نعمه وآلائه.

وتأمل قوله تعالى: {تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيم. مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنذِرُوا مُعْرِضُون}[الأحقاف:3].

لما بين إنزال كتابه المتضمن للأمر والنهي؛ ذكر خلقه السماوات والأرض فجمع بين الخلق والأمر، وذكر أن غاية خلقه للسموات والأرض، ليعرف العباد عظمة خالقهما ويستدلوا على كماله.

وعلى الرغم من أن الله قد أقام الدليل وأنار السبيل، إلا أن طائفة من الخلق لم يعظِّموا خالقهم ورازقهم، وأبوا إلا إعراضًا عن الحق، وصدوفًا عن دعوة الرسل؛ فقال: {وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ} [الأحقاف:3].

 

 

[1] أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة، للالكائي (2/ 244).

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop