مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

أركان التعظيم

أركان التعظيم

 

قال أحد العارفين: دخلت على الله من أبواب الطاعات كلها، فما دخلت من باب إلا رأيت عليه الزحام، فلم أتمكن من الدخول، حتى جئت باب الذل والافتقار؛ فإذا هو أقرب باب إليه وأوسعه، ولا مزاحم فيه ولا معوق، فما هو إلا أن وضعت قدمي في عتبته؛ فإذا هو سبحانه قد أخذ بيدي، وأدخلني عليه([1]).

فالذلة والكسرة تدخل العبد على الله، وترميه على طريق المحبة؛ فيفتح له منها باب لا يفتح له من غير هذه الطريق، وإن كانت طرق سائر الأعمال والطاعات تفتح للعبد أبوابا من المحبة، لكن الذي يفتح منها من طريق الذل والانكسار والافتقار وازدراء النفس، ورؤيتها بعين الضعف والعجز والعيب والنقص والذم، نوع آخر وفتح آخر، والسالك بهذه الطريق غريب في الناس، وهم في واد وهو في واد.

قال شيخ الإسلام- رحمه الله-: “العبادة المأمور بها تتضمّن معنى الذل، ومعنى الحب، فهي تتضمن غاية الذل لله تعالى بغاية المحبة له؛ ولهذا لا يكفي أحدهما في عبادة الله تعالى، بل يجب أن يكون الله أحب إلى العبد من كل شيء، وأن يكون الله أعظم عنده من كل شيء، بل لا يستحق المحبة والذل التام إلا الله”([2]).

فلفظ العبودية يتضمن كمال الذل، وكمال الحب، وهما ركنا التعظيم.

والعبادة: “اسم جامع لما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الباطنة والظاهرة”.

والعبادة لا تتم إلا بالخوف والرجاء، فبالخوف ينكف عن المناهي، وبالرجاء ينبعث على الطاعات قال تعالى: {أُولَـئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ كَانَ مَحْذُورًا}[الإسراء:57].

وذكر خوف العذاب بعد رجاء الرحمة؛ للإشارة إلى أنهم في موقف الأدب مع ربهم، فلا يزيدهم القرب من رضاه إلا إجلالاً له وتعظيماً، وخوفاً من غضبه.

وعلامة المحبة: أن يجتهد العبد في كل عمل يقربه إلى الله، وينافس في قربه بإخلاص الأعمال كلها لله، والنصح فيها وإيقاعها على أكمل الوجوه المقدور عليها، فمن زعم أنه يحب الله ويعظِّمه بغير ذلك فهو كاذب.

فلا بد أن تكون العبودية مبنية على الحب والخوف والرجاء، ومتى اختلّ ركن من هذه الأركان؛ اختلت العبودية، واختل التعظيم، فمثل العبد مثل طائر رأسه المحبة وجناحاه الخوف والرجاء، وإنما جُعلت المحبة بمثابة الرأس؛ لأنه المقصود الأسمى الذي يبقى، وأما الخوف والرجاء فلا خوف ولا رجاء بعد دخول العبد الجنة، ورضا الله تعالى عليه.

ويبعث هذين الركنين(الذل والمحبة) في النفس ويثيرهما ويقوّيهما أمران اثنان:

  • مشاهدة منة الله تعالى ونعمه.
  • ومطالعة عيوب النفس والعمل.

قال ابن القيم – رحمه الله-: “قال شيخ الإسلام: العارف يسير إلى الله بين مشاهدة المنة، ومطالعة عيب النفس والعمل، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح من حديث شداد بن أوس رضي الله تعالى عنه: ” سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله الا أنت، خلقتني، وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي، فاغفر لي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت”.

فجمع في قوله صلى الله عليه وسلم: أبوء لك بنعمتك علي، وأبوء بذنبي” مشاهدةَ المنة ومطالعةَ عيب النفس والعمل”([3]).

فمشاهدة المنة؛ توجب له المحبة والحمد والشكر لولي النعم والإحسان.

ومطالعة عيب النفس والعمل؛ توجب له الذل والانكسار والافتقار، والتوبة في كل وقت، وأن لا يرى نفسه إلا مفلساً”([4]).

وتأمل قوله تعالى: ﴿الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً﴾ [الملك: 2].

قال الفضيل بن عياض – رحمه الله-: 

العمل الحسن: هو أخلصه وأصوبه.

وقال: إن العمل إذا كان خالصاً ولم يكن صواباً لم يقبل، وإذا كان صوابا ًولم يكن خالصاً لم يقبل، حتى يكون خالصاً صواباً، والخالص: ما كان لله؛ والصواب: ما كان على السنة.

فهذان شرطا قبول العبادة المأمور بها.

 «اللهم اجعلْ حُبَّكَ أَحَبَّ الأشياءِ إلَيَّ، واجعلْ خَشْيَتَك أَخْوَفَ الأشياءِ عندي، واقطَعْ عني حاجاتِ الدنيا بالشَّوْقِ إلى لقائِكَ، وإذا أَقْرَرْتَ أَعْيُنِ أهلِ الدنيا من دنياهم، فأَقِرَّ عيني من عبادتِك» .

[1] انظر: مدارج السالكين، لابن القيم: 1/ 429.

[2] العبودية (ص33-35).

[3] الوابل الصيب (ص6).

[4] المرجع السابق  (ص7).

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop