(الحيُّ – القيوم) وما حوته من عظمة
عن أُبَيّ بن كعب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أتدري أيَّ آيةٍ في كتابِ اللَّهِ معكَ أعظَمَ؟)) قال: {اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} فضرب بيدِهِ في صدرِهِ وقال: ((لِيَهنِكَ العِلمُ أبا المِنذِرِ)) [أخرجه مسلم: 810].
وكأننا نرى وجه النبي صلى الله عليه وسلم يعلوه البِشرُ فرحًا أن حاز أبيّ بن كعب هذا العلم النفيس الذي به حياة القلوب والأبدان، وسعادة الأولى والآخرة..!
إنه علم “الحيّ القيّوم” وما فيهما من معاني العظمة والجلال.
وقد كانت آيةُ الكُرسيِّ أعظَمَ آيةٍ في القُرآنِ؛ لأنَّها جَمَعَت مِن أُصولِ الأسماءِ والصِّفاتِ الإلهيَّةِ ما ليْس مَجموعًا في آيةٍ أُخرى سِواها، وقد ورد بها هذين الاسمين العظيميْن: “الحيّ القيّوم”.
فهو سبحانه “الحيّ”، فله سُبحانَه الحياةُ الكاملةُ الَّتي لم يَسْبِقْها عَدَمٌ، ولا يَلحَقُها زوالٌ، والمُستلزِمةُ لجميعِ صِفاتِ الكمالِ.
وهو سبحانه “القيّوم” القائِمُ بنفْسِه فلا يَحتاجُ لأحدٍ، والقائمُ بأُمورِ خَلْقِه مِن الرِّزقِ وغَيرِه، فجَميعُ المخلوقاتِ مُفتَقِرةٌ إليه، ولا قِوامَ لها بدونِه، وهذه القَيُّوميَّةُ مُستلزِمةٌ لجميعِ أفعالِ الكَمالِ.
وقد أوصى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته الزهراء رضي الله عنها وصية الحريص على ما ينفعها، أن تلهج صباح مساء في تسبيحها بهذين الاسمين العظيمين، وتنادي ربها نداء الفقير العاجز المستغيث بمولاه الحي القيوم، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها: ((ما يمنعك أن تسمعي ما أوصيك به، أن تقولي إذا أصبحت وإذا أمسيت: يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين)) رواه النسائي:6/147.
فإذا فهم المؤمن معنى الحي القيوم وأنه: هو الذي قامت به الأرض والسموات وما فيهما من المخلوقات، فهو الذي أوجدها، وأمدَّها، وأعدَّها لكل ما فيه بقاؤها وصلاحها وقيامها؛ فينقطع عن التعلق بالمخلوق الضعيف الذي لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا.
ثم يمتلئُ قلبُه حبًا وتعظيمًا لمولاه، ويعتمد بقلبه عليه وحده متوكلًا على (الحيّ القيوم) في حاجاته كلها، مستحضرًا معانيها الجامعة لكل صفات الكمال والجلال، قال تعالى: {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ} [الفرقان: 58].
ولا يفتر لسانه عن ذكره، فذكر الله هو مادة حياة القلب وغذاء الروح، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكره مثل الحي والميت)) [رواه البخاري: 6407].
ويكون “الحيّ القيّوم” هو ملاذه عند نزول الكرب فيستغيث به في كشف الضرّ وإزالة الغم، عن أنس رضي الله عنه قال: كانَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ إذا كربَهُ أمرٌ قالَ: ((يا حيُّ يا قيُّومُ برَحمتِكَ أستغيثُ)) [أخرجه الترمذي: 3524].
وفي بيان مناسبة هذا الدعاء لتفريج الكرب يقول ابن القيم رحمه الله: “إن علم القلب ومعرفته بما في هذين الاسميْن العظيميْن من المعاني العظيمة؛ توجب محبته لمولاه، وإجلاله، وتوحيده فيحصل له من الابتهاج واللذة والسرور، والثقة وتمام التوكل ما يدفع عنه ألم الكرب والهم، والغم”.
وفي مواطن الدعاء بمهمّات الأمور وعظائمها يلهج ويتضرع ب “الحي القيوم”، فإن لاسم الحيِّ القيوم تأثيرًا خاصًا في إجابة الدعوات، وكشف الكربات؛ ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اجتهد في الدعاء قال: ((يا حي يا قيوم))، فانتظم هذان الاسمانِ صِفاتِ الكَمالِ والِغنى التَّامَّ والقُدرةَ التامَّةَ؛ فكأنَّ المستغيثَ بهما مستغيثٌ بكُلِّ اسمٍ مِن أسماءِ الرَّبِّ تعالى، وبكُلِّ صِفةٍ مِن صفاتِه، فما أولى الاستغاثةَ بهذين الاسمينِ أن يكونا في مَظِنَّةِ تفريجِ الكُرُباتِ وإغاثةِ اللَّهَفاتِ وإنالةِ الطَّلَباتِ.
هذا ومن أوصافه القيوم والـ … قيوم في أوصافه أمران
إحداهما القيوم قام بنفسه … والكون قام به هما الأمران
فالأول استغناؤه عن غيره … والفقر من كل إليه الثاني
والوصف بالقيوم ذو شأن كذا … موصوفه أيضا عظيم الشان
والحي يتلوه فأوصاف الكما … ل هما لأفق سمائها قطبان
فالحي والقيوم لن تتخلف ال … أوصاف أصلا عنهما ببيان
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المراجع:
– زاد المعاد:ابن القيم
– النهج الأسمى في شرح الأسماء الحسنى:محمد الحمود النجدي
– ولله الأسماء الحسنى:عبد العزيز ناصر الجليل
– شرح أسماء الله الحسنى في ضوء الكتاب والسنة:سعيد بن هف القحطاني
– التوحيد:محمد التويجري