مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

أفلا ينظرون؟

أفلا ينظرون؟

عَن مُحَمَّد مسعر قَالَ: فرضًا على النَّاس إِذا أُخْرِجت الثِّمَار أَن يخرجُوا وينظروا إِلَيْهَا؛ قَالَ الله {انظُرُواْ إِلِى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ}[الأنعام:99]([1]).

أي: انظروا إليه، وقت إطلاعه، ووقت نضجه وإيناعه؛ فإن في ذلك عبراً وآيات، يستدل بها على رحمة الله، وسعة إحسانه وجوده، وكمال عظمته وجلاله واقتداره وعنايته بعباده.

والنظر المقصود هو: “نظر العين المفيد الاعتبار بدقائق المنظور”، الدال على وحدانية الله المبدع العظيم.

وأمر عباده بالنظر إلى ما يحيط بهم ويرونه ليلا ونهاراً أمام أعينهم؛ فقال: أن الله تعالى أمر بالنظر فقال: {أَفَلاَ يَنظُرُونَ إِلَى الإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَت. وَإِلَى السَّمَاء كَيْفَ رُفِعَت. وَإِلَى الْجِبَالِ كَيْفَ نُصِبَت. وَإِلَى الأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَت} [الغاشية:17-20].

وقد ذكر الله العظيم أشياء أربعة هي من الناظرين عن كثب لا تغيب عن أنظارهم، وعطف بعضها على بعض، فكان اشتراكها في مرآهم جهة جامعة بينها بالنسبة إليهم، والذي حسن اقتران الإبل مع السماء والجبال والأرض في الذكر هنا، هو أنها تنتظم في نظر جمهور العرب.

فالإبل أموالهم ورواحلهم، ومنها عيشهم ولباسهم ونسج بيوتهم وهي حمالة أثقالهم، وقد خلقها الله خلقا عجيبا بقوة قوائمها ويسر بروكها لتيسير حمل الأمتعة عليها، وجعل أعناقها طويلة قوية ليمكنها النهوض بما عليها من الأثقال بعد تحميلها أو بعد استراحتها في المنازل والمبارك، وجعل في بطونها أمعاء تختزن الطعام والماء بحيث تصبر على العطش إلى عشرة أيام في السير في المفاوز، مما يهلك فيما دونه غيرها من الحيوان.

ثم نقل بهم إلى التدبر في عظيم خلق السماء إذ هم ينظرونها في نهارهم وليلهم وفي إقامتهم وظعنهم، يرقبون أنواء المطر وينتظرون لمع البروق.

وأتبع ذكر السماء بذكر الجبال، وكانت الجبال منازل لكثير منهم. وينزلون سفوحها ليكونوا أقرب إلى الاعتصام بها عند الخوف ويتخذون فيها مراقب للحراسة.

ثم نزل بأنظارهم إلى الأرض وهي تحت أقدامهم وهي مرعاهم ومفترشهم، وقد خلقها ممهدة للمشي والجلوس والاضطجاع.

فتأمل هذا التناسق البديع الذي يوحي بعظمة خالقه وإبداعه؛ الذي يضم مشهد السماء المرفوعة، والأرض المبسوطة، والجبال «منصوبة» السنان لا راسية ولا ملقاة، وتبرز الجمال منصوبة السنام، خطان أفقيان، وخطان رأسيان في المشهد الهائل في المساحة الشاسعة.

ثم أمر سبحانه عباده بقوله: {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير}[العنكبوت:20].

فإنكم ستجدون أممًا من الآدميين والحيوانات، لا تزال توجد شيئًا فشيئًا، وتجدون النبات والأشجار، كيف تحدث وقتا بعد وقت، وتجدون السحاب والرياح ونحوها، مستمرة في تجددها، بل الخلق دائما في بدء وإعادة، فانظر إليهم وقت موتتهم الصغرى -النوم- وقد هجم عليهم الليل بظلامه، فسكنت منهم الحركات، وانقطعت منهم الأصوات، وصاروا في فرشهم ومأواهم كالميتين، ثم إنهم لم يزالوا على ذلك طول ليلهم، حتى انفلق الإصباح؛ فانتبهوا من رقدتهم، وبعثوا من موتتهم.

ألا يدل ذلك على الرب العظيم المبدع المتوحد في جلاله؟

وقال تعالى : {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُون}[يونس:101].

دعا تعالى عباده إلى النظر لما في السماوات والأرض نظر الفكر والاعتبار والتأمل، لما فيها، وما تحتوي عليه، والاستبصار؛ فإن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون، وعبرًا لقوم يوقنون، تدل على أن الله وحده، المعبود الحق، ذو الجلال والعظمة والإكرام، والأسماء والصفات العظام.

ثم بين أن قوماً أعرضوا عن هذه الآيات؛ فلم ينتفعوا بما فيها من دلالة على وحدانيته وعظمته وقدرته {وَمَا تُغْنِي الآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ}.

ثم لقن رسوله ﷺ أن يأمر عباده بالنظر في عاقبة الأقوام الذين أعرضوا وعاندوا وكيف كان مصيرهم؟، {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِين}[الروم:42]

والأمر بالسير في الأرض يدخل فيه السير بالأبدان، والسير بالقلوب؛ للنظر والتأمل بعواقب المتقدمين؛ تجدون عاقبتهم شر العواقب، ومآلهم شر مآل، عذاب استأصلهم، وذم ولعن من خلق الله يتبعهم وخزي متواصل؛ فاحذروا أن تفعلوا فعالهم يُحْذَى بكم حذوهم؛ فإن عدل الله وحكمته في كل زمان ومكان.

أن أكثر تلك الأمم التي شوهدت عاقبتها الفظيعة؛ كانت من أهل الشرك الذين لا يرجون لله عظمة وجلالاً.

ولقنَّ نبيه ﷺ أن يأمر عباده بالنظر والتأمل في عاقبة المجرمين {قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِين} [النمل:69].

فلا تجدون مجرمًا قد استمر على إجرامه، إلا وعاقبته شر عاقبة، وهذه سنته سبحانه وتعالى في المجرمين، وما حدث للمجرمين من قبل يحدث للمجرمين من بعد؛ فإن سنن الله العظيم لا تحيد ولا تحابي.

فعلينا بامتثال أمر الله بالسير في الأرض؛ لتطلع النفوس على مُثُل، وسِيَر، وأحوال فيها عبرة، وفيها لمسات للقلوب قد توقظها وتحييها؛ فتعظم خالقها ومدبرها سبحانه وتعالى.

[1] الدر المنثور في التفسير بالمأثور، السيوطي: 3/ 333.

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop