محبة الله سبحانه والأنس به والشوق إلى لقائه والرضى به وعنه: أصل الدين وأصل أعماله وإراداته، كما أن معرفته والعلم بأسمائه وصفاته وأفعاله أجلُّ علوم الدين كلها، فمعرفته أجلُّ المعارف، وإرادة وجهه أجلُّ المقاصد، وعبادته أشرف الأعمال، والثناء عليه بأسمائه وصفاته ومدحه وتمجيده أشرف الأقوال، وذلك أساس الحنيفية ملة إبراهيم.
وقد قال تعالى لرسوله: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل: 123].
وكان النبي r يوصي أصحابه إذا أصبحوا أن يقولوا: أصبحنا على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد وملة أبينا إبراهيم حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين.
وذلك هو حقيقة شهادة أن لا إله إلا الله وعليها قام دين الإسلام الذي هو دين جميع الأنبياء والمرسلين، وليس لله دين سواه، ولا يقبل من أحد دينًا غيره: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85].
فمحبته تعالى – بل كونه أحب إلى العبد من كل ما سواه على الإطلاق – من أعظم واجبات الدين وأكبر أصوله وأجلِّ قواعده، ومن أحب معه مخلوقًا مثل ما يحبه فهو من الشرك الذي لا يُغفر لصاحبه ولا يُقبل معه عمل، قال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِّلَّهِ} [البقرة: 165].
وإذا كان العبد لا يكون من أهل الإيمان حتى يكون عبدُ الله ورسولُه أحبَّ إليه من نفسه وأهله وولده ووالده والناس أجمعين، ومحبته تبع لمحبة الله، فما الظن بمحبته سبحانه وهو سبحانه لم يخلق الجن والإنس إلا لعبادته التي تتضمن كمال محبته وكمال تعظيمه والذل له، ولأجل ذلك أرسل رسلَه وأنزل كتبَه وشرع شرائعه، وعلى ذلك وضع الثواب والعقاب، وأسِّسَت الجنةُ والنارُ، وانقسم الناس إلى شقي وسعيد، وكما أنه سبحانه ليس كمثله شيء، فليس كمحبته وإجلاله وخوفه محبة وإجلال ومخافة.
فالمخلوق كلما خِفْتَه استوحشتَ منه وهربتَ منه، والله سبحانه كلما خِفته أَنِستَ به وفررتَ إليه، والمخلوق يُخافُ ظلمُه وعدوانه، والرب سبحانه إنما يُخافُ عدلُه وقسطُه، وكذلك المحبة، فإن محبة المخلوق إذا لم تكن لله فهي عذاب للمحب ووبال عليه، وما يحصل له بها من التألم أعظم مما يحصل له من اللذة، وكلما كانت أبعد عن الله كان ألمها وعذابها أعظم.
هذا إلى ما في محبته من الإعراض عنك والتجني عليك وعدم الوفاء لك، إما لمزاحمة غيرك من المحبين له، وإما لكراهته ومعاداته لك، وإما لاشتغاله عنك بمصالحه وما هو أحب إليه منك، وإما لغير ذلك من الآفات.
وأما محبة الرب سبحانه فشأنها غير هذا الشأن، فإنه لا شيء أحب إلى القلوب من خالقها وفاطرها، فهو إلهها ومعبودها ووليها ومولاها وربها ومدبرها ورازقها ومميتها ومحييها.