مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من خطب تعظيم الله

خطبة | تعظيم الله وأهميته وثماره في الدنيا والآخرة

تعظيم الله وأهميته وثماره في الدنيا والآخرة

 

عناصر الخطبة:

1/المراد بتعظيم الله -تعالى- وضرورته.

2/مظاهر تعظيم العبد لربه.

3/ثمرات تعظيم الله الدنيوية والأخروية.

 

الخطبة الأولى:

الحمد لله العظيم المتفرد بالعظمة والجلال والكمال، المنزه عن الشبيه والمثال، سبحت لعظمته السماوات والأرض والجمادات والجبال، وأشهد أن لا إله إلا الله الكبير المتعال، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، خير من عظَّم ربه ودعا إلى تعظيم مولاه بالأفعال والأقوال، صلى الله عليه وسلم عدد حبات الرمال وعلى آله وأصحابه أكرم الأجيال وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم المآل.

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

معاشر المؤمنين: ما أحوج العبد الضعيف إلى أن يتأمل في عظمة ربه العظيم اللطيف؛ فإن من أدرك عظمته استقام على شرعه وهُدَاهُ وأقبل عليه وأتاه وملأ قلبه بحبه وإجلاله وتُقَاهُ، وأحسن في عبادة ربه كأنه يراه، وفر إليه من معصيته في سره ونجواه، وتاب إلى ربه من ذنوبه وخطاياه، وتزود بالصالحات ليوم لقاه.

روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “يقبض الله الأرض، ويطوي السماوات بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟!”.

وهذا ابن القيم -رحمه الله- يصف عظمة الجليل -سبحانه- فيقول: “يدبر أمر الممالك، ويأمر وينهي، ويخلق ويرزق، ويميت ويحي، ويقضي وينفذ، ويعز ويذل، ويقلب الليل والنهار، ويداول الأيام بين الناس”.

وإذا استحضر العبد عظمة مولاه، وسؤدده وعلاه، وأنه هو (الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ)[البقرة:255]، ثم أبصر العبد عوزه وضعفه وقلته وحاجته، أدرك عندها أنه لا حول له ولا قوة إلا بالاتصال بمصدر العظمة والعزة والقوة -سبحانه وتعالى-؛ فهو العظيم وغيره حقراء، وهو العزيز وغيره أذلاء، وهو الغني وغيره فقراء؛ فهو المستحق وحده للتوقير والتبجيل والتكريم والتعظيم.

ومعنى تعظيم الله -يا عباد الله-؛ إجلاله وتوقيره بالقلب واللسان والأركان والأعمال؛ فلا يكون في قلب العبد منزلة ولا مكان، كمكان الواحد الديان، فلا يُقدِّم قولًا على قوله، ولا أمرًا على أمره، ولا طاعة على طاعته.

وقد عاتب الله -أيها المؤمنون- بعض خلقه الذين لا يوفونه حقه في التعظيم، فقال -عز وجل-: (مَا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا)[نوح:13]، قال سعيد بن جبير: “ما لكم لا تعظمون الله حق عظمته!”، ثم قال -سبحانه-: (مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ)[الحج:74]، قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: “ما عظموا الله حق عظمته”.

لذا فينبغي أن نفتش في أحوالنا عن مظاهر تعظيم الواحد الديان؟ لنعلم من فينا المعظم له -سبحانه- حق التعظيم، ومن المقصر في التبجيل والتوقير والتكريم؟

والجواب -أيها الأحباب- يتجلى في مظاهر كثيرة؛ فمن ذلك:

إفراد العظيم -سبحانه- بالعبادة والخلق والتدبير، وتنزيهه عن الشبيه والولد والند والنظير؛ فهو القائل: “أنا أغنى الشركاء عن الشرك”(رواه مسلم)، وما أضيع عقل من جعل للواحد الصمد شريكًا وولدًا؛ (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا)[مريم: 90]، قال الضحاك والسدي -رحمهما- الله:”(يتفطرن) أي يتشققن من عظمة الله وجلاله فوقهن”.

ومن مظاهر تعظيم العظيم: تنزيهه -تعالى- عما لا يليق؛ وهذا فعل الملائكة الأبرار: (وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ)[البقرة:30]، فإن أصل التسبيح؛ تنزيه الله عما لا يليق بجلاله.

ومن مظاهر تعظيم الله: تعظيم ما عظَّم الله؛ من الدين والشرائع والشعائر؛ فإن تعظيم الأمر من تعظيم الآمر به؛ (ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ)[الحج: 32]، وقد سئل حماد بن زيد عن معنى رفع اليدين في الصلاة؟ فقال: “هو من إجلال الله”.

ومن مظاهر تعظيمه -سبحانه-: استشعار مراقبته في العلن والسريرة: فإنه يعلم دبيب النملة الصماء، على الصخرة الصلداء، في الليلة الظلماء: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ)[آل عمران:5]؛ فليستح العبد من نظر الجليل، وليعلم أنه ليس إلى مهرب من سبيل:

إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل***خلوت، ولكن قل علي رقيب

ولا تحسبن الله يغفل ساعة***ولا أن ما تخفي عليه يغيب

ومن تعظيم العظيم -جل شأنه-: التفكر في عظيم مخلوقاته؛ فعظمة الخلق برهان على عظمة الخالق.

لله في الآفاق آيات لعل أقلها *** هو ما إليه هداكَ

والكون مشحون بأسرار *** إذا حاولت تفسيرا لها أعياكَ

إخوة الإيمان: إنه الله العظيم؛ لا يُذكر في قليل إلا كَثّرَهُ، ولا عند خوف إلا كَشَفَهُ، ولا عند هم وغم وضِيق إلا فرجه ووسعه.

هو المقصود -سبحانه- في الرغائب، المستغاث به عند المصائب، ما تعلق به ضعيف إلا وقواه، ولا فقير إلا أغناه، ولا مغلوب إلا نصراه وتولاه، ولا شريد إلا آواه، ولا مضطر إلا كشف ما به من ضر وحماه.

 إنه الله العظيم؛ مؤنس كل وحيد، قريب من عباده غير بعيد، غياث المستغيثين، عماد من لا عماد له، سند من لا سند له، عظيم الرجاء، منقذ الهلكى، منجي الغرقى، مبدئ النعم قبل استحقاقها، من لا تراه العيون، ولا يصفه الواصفون، ولا تخالطه الظنون فسبحانه من إله عظيم.

بارك الله لي ولكم بالقرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم؛ أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب؛ فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:

أيها المؤمنون: عظموا ربكم وقدروه حق قدره تسعدوا، واعلموا أنكم بتعظيم ربكم تغنموا، وبإجلاله تربحوا، وبتوقيره تلجوا جنته وتسكنوا، وسنذكر بعضا من ثمار تعظيمه فاسمعوا؛ ألا وإن من ثمار تعظيم الله في الدنيا والآخرة:

تَعَلُق القلب به وحده: فهو العظيم المرتجى لكل أمر جليل، وللضر كاشف وبالخير كفيل، (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)[الأنعام:17].

ومن ثمار تعظيم العظيم -جل في عليائه-: نيل القوة والعزة: فالعبد المعظم لربه العظيم يعلم أن من على وجه الأرض كلهم عبيد مثله، لا يضرون ولا ينفعون، ولا يحيون ولا يميتون، ولا يرزقون ولا يمنعون، فلا يخضع لأحد من أجل بَذْل أو عطاء، ولا يرهب أحدًا أن يضره بما لا يقدر عليه إلا الله، فيُكْسِبُه ذلك قوة وبأسًا وعزة ومنعة: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ)[المنافقون:8].

عباد الله: هذه بعض ثمار تعظيم العظيم وإجلال الكبير الكريم في الدنيا، أما في الآخرة فيا حسن اللقاء، ويا جميل البقاء؛ فليست جنة واحدة بل هي جنتان: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)[الرحمن:46]؛ ومقام ربه: جلاله وعظمته.

ولا تنقطع الثمرات والبركات من عظيم الأرض والسموات، بل كلما ازداد المسلم له تعظيمًا، كلما زاده العظيم قربًا ومنحًا وتقديمًا.

فيا سعادة من عظَّم ربه العظيم ويا فوز من ملأ قلبه بإجلال مولاه الكبير، ويا تعاسة من لم يقدر الله حق تقديره.

فاللهم اعمر بتعظيمك قلوبنا، وحُلْ بتوقيرك بيننا وبين معصيتك، واعنا أن نعظِّم ما عظَّمت، وأن نحب ما أحببت.

وصلوا وسلموا على أمرتم بالصلاة والسلام عليه، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب:56].

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop