مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

تعظيم الله في الصلاة

تعظيم الله في الصلاة

قال مجاهد– رحمه الله –: “كانَ العلماءُ إذا قامَ أحدُهم في الصلاةِ؛ هابَ الرحمنَ عزَّ وجلَّ أن يشذ نظرُهُ، أو يلتفتَ، أو يقلِّب الحصى، أو يعبثَ بشيء، أو يحدِّثَ نفسَهُ بشيءٍ من الدنيا إلا ناسيًا، ما دامَ في صلاتِهِ”([1]). وهيبة الرحمن دليل على تعظيم المصلي لله جلَّ وعز وإجلاله.

فإذا قام العبد للصلاة بدأ بتعظيم الله؛ وذلك بالتكبير ثم بالحمد والثناء والتمجيد، قائلاً :  «سبحانك اللهمَّ وبحمدِك وتبارَكَ اسمُكَ وتعالى جدُّك ولا إله غيرُك»([2]). ومعنى «وتعالى جدُّك» أي: علا جلالك وعظمتك.

ثم شرع العبد في قراءة الفاتحة، وهي من أعظمِ ما عُظِّمَ به اللهُ تبارك وتعالى، تأمل قول الله في الحديث القدسي: «… فإذا قال العبدُ: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الله تعالى: حَمِدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} قال الله تعالى: أثنَى عليَّ عبدي، وإذا قال: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال: مَجَّدني عبدي …»([3]). وتأمل قوله” مَجَّدني”، أي عظَّمنى؛ لأن “مجَّد” يقتضي الثناء بصفات الجلال، و “حَمِد” يقتضى الثناء بحميد الفِعال، و “أثنَى” يجمع ذلك كله.

ثم شُرِع للمصلي أن يطبعَ على ذلك بطابع من التأمين يكون كالخاتم له؛ وهذا التأمين من زينة الصلاة كرفع اليدين الذي هو زينة الصلاة واتباع للسنة، وتعظيم أمر الله، وعبودية اليدين، وشعار الانتقال من ركن إلى ركن.

ثم شرع للراكع أن يذكر عظمة ربه في حال انخفاضه وخضوعه؛ فيقول: “سبحان ربي العظيم”، فإن الله سبحانه أمر العباد بذلك، وعيَّن الرسول ﷺ المحل لهذا الذكر؛ لما نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ}، قال: “اجعَلوها في رُكوعِكم”.

والركوع تعظيم الرب جل جلاله بالقلب والقالب والقول؛ ولهذا قال النبي ﷺ: «أما الركوعُ فعظِّمُوا فيه الربَّ» ([4]).

ثم يرفع رأسه وجعل شعار هذا الركن حمد الله والثناء عليه وتحميده؛ فافتتح هذا الشعار بقول المصلي: “سمع الله لمن حمده” أي: سَمِعَ سَمْع قبول وإجابة، ثم شفع بقوله: ” ربَّنا لكَ الحمدُ، مِلْءَ السَّمواتِ ومِلْءَ الأرضِ وما بينَهما، ومِلءَ ما شِئتَ مِن شيءٍ بَعْدُ” ، ثم أتبع ذلك بقوله: “أهل الثناء والمجد”، أي: فأنتَ تستحِقُّ الثَّناءَ والذِّكرَ والتمجيدَ والتعظيمَ.

 ثم يكبر معظماً ربه، ويخر له ساجداً.
 والسجود سر الصلاة وركنها الأعظم؛ وهو أفضل الأحوال التي يكون فيها العبد أقرب إلى الله؛ ولهذا كان الدعاء في هذا الركن أقرب إلى الإجابة، “أَقْرَبُ ما يَكونُ العَبْدُ مِن رَبِّهِ، وهو ساجِدٌ، فأكْثِرُوا الدُّعاءَ”([5]).
وكان من كمال السجود الواجب لعظمة ربه أنه يسجد على الأعضاء السبعة: الوجه، واليدين والركبتين، وأطراف، القدمين، وأن يكون على هيئة يأخذ فيها كل عضو من البدن بحظه من الخضوع؛ فيقل بطنه عن فخذيه، وفخذيه عن ساقيه، ويجافي عضديه عن جنبيه ولا يفرشهما على الأرض؛ ليستقل كل عضو منه بالعبودية.

ولذلك أخبر سبحانه عن سجود جميع المخلوقات تعظيماً له وإجلالا؛ فقال تعالى: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} [السجدة:15].

ولما كان السجود أفضل أركان الصلاة الفعلية وسرها الذي شرعت لأجله، وكان تكرره في الصلاة أكثر من تكرر سائر الأركان، وجعله الله خاتمة الركعة وغايتها؛ شُرِع فيه من الثناء على الله ما يناسبه وهو قول: العبد “سبحان ربي الأعلى”، وكان وصف الرب بالعلو في هذه الحال في غاية المناسبة لحال الساجد الذي قد انحط إلى السفل على وجهه؛ فذكر علو ربه في حال سقوطه، تعظيماً لربه وإقراراً بعلوه.
ثم لما شرع السجود بوصف التكرار لم يكن بد من الفصل بين السجدتين؛ ففصل بينهما بركن شرع فيه من الدعاء: ” اللهمَّ اغفِرْ لي وارْحَمْني وعافِني واجبُرْني وارزُقْني”.

ولما أتى العبد بالقيام والحمد والثناء والمجد، ثم أتى بالخضوع وتنزيه الرب وتعظيمه، ثم عاد إلى الحمد والثناء، ثم كمَّل ذلك بغاية التذلل والخضوع والاستكانة؛ بقي سؤال حاجته، واعتذاره وتنصله؛ فشرع له أن يجلس جلسة العبد الذليل جاثياً على ركبتيه كهيئة الملقي نفسه بين يدي سيده راغباً راهباً معتذرا إليه، ثم شرع له تكرير هذه العبودية مرة بعد مرة إلى إتمام الأربع.

ثم شرع له أن يجلس في آخر صلاته جلسة المتخشع المتذلل المستكين جاثياً على ركبتيه تعظيماً لربه. ويأتي في هذه الجلسة بأكمل التحيات وأفضلها، وكذلك “الصلوات لله”؛ والتي هي حق له وحده.

ولما كان السلام من أنواع التحية شُرِعَ أن يكون خاتمة الصلاة.

 فدخل العبد في الصلاة بالتكبير تعظيماً لربه، وختمها بالتحيات والصلوات لربه، والسلام الذي هو من أسمائه الحسنى.

فكَمُلَ بذلك تعظيم العبد لربه من خلال صلاته؛ إذا أقامها حق القيام.

[1] تفسير ابن رجب الحنبلي: 2/ 6

[2] أخرجه الترمذي (225)، والنسائي (889).

[3] صحيح مسلم: باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، ( ٥٩٨) 

[4] مسلم (٤٧٩)

[5] صحيح مسلم،(482).

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop