مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

الخوف والرجاء جناحا التعظيم   عن وهيب بن الورد- رحمه الله- : أنه قرأ : {وَإِذْ ي …

الخوف والرجاء جناحا التعظيم

الخوف والرجاء جناحا التعظيم

 

عن وهيب بن الورد- رحمه الله- : أنه قرأ : {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيم}[البقرة:127]، ثم يبكي ويقول : يا خليل الرحمن، ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مشفق أن لا يتقبل منك!!([1])

تأمل كيف كانت حالهما في هذا العمل العظيم وهو بناء علم التوحيد من الخوف والرجاء، حتى إنهما مع هذا العمل دعوا الله أن يتقبل منهما عملهما؛ حتى يحصل فيه النفع العميم، وعظَّما الله بأسمائه وصفاته في خاتمة الدعاء، مما يوضح أن الخوف والرجاء جناحا التعظيم.

والخَوْف: توقّع مكروه عن أمارة مظنونة، أو معلومة،  والرّجاء: والطمع توقّع محبوب عن أمارة مظنونة، أو معلومة([2]).

وتأمل فيما حكى الله تعالى عن حال المؤمنين المخلصين في قوله تعالى:  {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُون}[المؤمنون:60].

أي : يعطون ما أعطوا من الصدقات والنفقات والقربات وقلوبهم خائفة ألا يتقبل منهم . 

وتأمل قوله تعالى: {اعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم}[المائدة:98]

أي: ليكن هذان العلمان موجودين في قلوبكم على وجه الجزم واليقين والتعظيم، تعلمون أنه شديد العقاب العاجل والآجل على من عصَّاه، وأنه غفور رحيم لمن تاب إليه وأطاعه؛ فيثمر لكم هذا العلمُ الخوفَ من عقابه، والرجاءَ لمغفرته وثوابه، وتعملون على ما يقتضيه الخوف والرجاء، وما يقتضيه ذلك من تعظيم الله وإجلاله.

وتأمل قوله تعالى: {نَبِّىءْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيم. وَ أَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الأَلِيم}[الحجر49-:50].

أمر الله رسوله ﷺ أن يُعَرِّف عباده بصفاته؛ لتعظيمه وتوقيره؛ لأنهم إذا عرفوا كمال رحمته، ومغفرته؛ سَعَوا في الأسباب الموصلة لهم إلى رحمته، وأقلعوا عن الذنوب، وتابوا منها؛ لينالوا مغفرته.

ومع هذا فلا ينبغي أن يتمادى بهم الرجاء إلى حال الأمن؛ فنبئهم {وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الألِيمُ} أي: لا عذاب في الحقيقة إلا عذاب الله الذي لا يقادر قدره ولا يبلغ كنهه نعوذ به من عذابه، فإنهم إذا عرفوا أنه {لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَد وَلا يُوثِقُ وَثَاقَه أَحَد} حذروا وأبعدوا عن كل سبب يوجب لهم العقاب.

 فالعبد ينبغي أن يكون قلبه دائماً بين الخوف والرجاء، والرغبة والرهبة؛ فإذا نظر إلى رحمة ربه ومغفرته وجوده وإحسانه؛ أحدث له ذلك الرجاء والرغبة، وأحدث ذلك في قلبه تعظيماً وإجلالا، وإذا نظر إلى ذنوبه وتقصيره في حقوق ربه؛ أحدث له الخوف والرهبة والإقلاع عنها؛ توقيراً لربه العظيم أن يراه على ما يغضبه.

وقيام العبد بين الخوف والرجاء يسلك به سبيل الاستقامة في الطاعة؛ فإن من غلب عليه رجاؤه؛ عَطَلَه، ومن غَلَب عليه خوفه؛ أَقْنَطه.

والخوف المشروع الممدوح هو الذي يزجر صاحبه عن الوقوع في السيئات والولوغ في المحرمات، ويحفظه من الخروج عن طريق الجادة وسبيل رضا رب الأرض والسموات، فإذا زاد فخرج بصاحبه إلى اليأس والقنوط؛ كان مذموماً.

والرجاء الصحيح هو الذي يفتح باب الأمل في المغفرة، ويدعو إلى العمل، فإذا زاد عن حده؛ أصبح مذموما وانقلب أمناً وغروراً.

أخي الكريم:

اجعل الخوف والرجاء جناحين تصل بهم إلى تعظيم الله وإجلاله؛ تسعد في دنياك وآخرتك، واعلم أن التوفيق فيهما محض فضل الله وكرمه؛ فسأله السداد والثبات والرشاد.

[1] تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 1/ 427.

[2] مفردات غريب القرآن، للأصفهاني: 303.

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop