مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

خطبة

وقفات إيمانية مع الزلازل الكونية

الخطبة الأولى:

 

الْحَمْدُ لِلهِ الذِي بَسَطَ الْأَرْضَ فَجَعَلَهَا قَرَارًا، وَأَرْسَى الْجِبَالَ وَجَعَلَهَا أَوْتَادًا، وَهُوَ الذِي جَعَلَ السمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا، أَحْمَدُهُ عَلَى نِعَمِهِ الظاهِرَةِ وَالْبَاطِنَةِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَا مَلْجَأَ لِلْعِبَادِ إِلا إِلَيْهِ، وَلَا مُعْتَمَدَ إِلا عَلَيْهِ، وَأَشْهَدُ أَن مُحَمدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، أَعْرَفُ الْخَلْقِ بِرَبهِ، وَخِيرَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ، صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ وَسَلمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا.

أَما بَعْدُ:

أَيهَا الناسُ اتقُوا رَبكُمْ وَأَطِيعُوهُ، وَاعْمُرُوا أَوْقَاتَكُمْ بِمَا يُرْضِيهِ؛ ﴿يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا اتقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ [الْأَحْزَابِ:70-71] .

عِبَادَ اللهِ:

 لِلهِ فِي كَوْنِهِ آيَاتٌ وَعِظَاتٌ، يَجْعَلُهَا اللهُ عِبْرَةً لِلْمُعْتَبِرِينَ، وَإِنْذَارًا لِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ.

وَمِنْ تِلْكَ الْآيَاتِ وَالْعِظَاتِ مَا يَكُونُ فِي آخِرِ الزمَانِ مِنْ كَثْرَةِ الزلَازِلِ وَظُهُورِ الْفِتَنِ، وَهَذِهِ الْآيَاتُ وَالْعِبَرُ قَدْ صَح بِهَا الْخَبَرُ عَنْ سَيدِ الْبَشَرِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ حَيْثُ قَالَ: «لَا تَقُومُ الساعَةُ حَتى يُقْبَضَ الْعِلْمُ وَتَكْثُرَ الزلَازِلُ، وَيَتَقَارَبَ الزمَانُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ، وَهُوَ الْقَتْلُ حَتى يَكْثُرَ فِيكُمْ الْمَالُ فَيَفِيضَ».

 

أَيهَا الْمُؤْمِنُونَ:

فِي الْأَيامِ الْقَلِيلَةِ الْمَاضِيَةِ، سَمِعْنَا وَإِياكُمْ مَا يُحْزِنُ الْقَلْبَ، وَتَدْمَعُ لَهُ الْعَيْنُ، مِما حَدَثَ مِنْ زِلْزَالٍ مُدَمرٍ فِي بَعْضِ الدوَلِ، وَاَلذِي نَتَجَ عَنْهُ آلَافُ اَلْقَتْلَى وَالْمُصَابِينَ، خِلَالَ دَقَائِقَ مَعْدُودَةٍ، وَخُطْبَتُنَا اَلْيَوْمَ تَذْكِيرٌ بِبَعْضِ الْوَقَفَاتِ الْإِيمَانِيةِ مَعَ هَذِهِ الْآيَةِ الْكَوْنِيةِ:

أَما الْوَقْفَةُ الْأُولَى:

فَإِن مَا يَحْدُثُ مِنْ زَلَازَلٍ وَنَحْوِهِ مِنَ الْآيَاتِ الْكَوْنِيةِ، مَا هُوَ إِلا بِتَدْبِيرِ الْحَكِيمِ الْعَلِيمِ، وَلِحِكَمٍ يَعْلَمُهَا عَز وَجَل.. قَدْ نُدْرِكُ الْبَعْضَ مِنْهَا وَيَغِيبُ عَنا الْكَثِيرُ.. وَمِنْ أَبْرَزِ الْحِكَمِ مَا يَدُل عَلَى عَظَمَةِ الْجَبارِ جَل جَلَالُهُ، وَضَعْفِ الْإِنْسَانِ مَهْمَا أُوتِيَ مِنْ قُوةٍ! وَمَهْمَا بَلَغَ مِنْ عِلْمٍ، فَهَذِهِ نُذُرٌ وَآيَاتٌ، وَعُقُوبَاتٌ وَتَخْوِيفَاتٌ، لَا تَدْفَعُهَا الْقُوَى الْبَشَرِيةُ، وَلَا تُفِيدُ مَعَهَا التنَبؤَاتُ، وَالْمُومِنُ الْحَق لَا يَغِيبُ عَنْ بَالِهِ حَقِيقَةُ ضَعْفِهِ وَقِلةِ حِيلَتِهِ، أَمَامَ قُدْرَةِ اللهِ وَقُوتِهِ، فَهُوَ الْقَوِي الْعَزِيزُ.. الذِي لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السمَاءِ.

أَما الْوَقْفَةُ الثانِيَةُ:

فَإِن مِنْ الْمُلَاحَظِ أَن بَعْضَ الْأَفْرَادِ وَالْمُجْتَمَعَاتِ لَدَيْهَا تَبَلدٌ فِي الْإِحْسَاسِ نَحْوَ هَذِهِ الْآيَاتِ الْكَوْنِيةِ؛ حَيْثُ تَرَاهُمْ مُسْتَمِرينَ عَلَى تَقْصِيرِهِمْ فِي حَق اللهِ عَز وَجَل، وَعَدَمِ أَخْذِ الْعِبْرَةِ وَالْعِظَةِ مِنْ هَذِهِ الْآيَاتِ الْعَظِيمَةِ، وَكَانَ الْوَاجِبُ عَلَى الْجَمِيعِ شُعُوبًا وَأَفْرَادًا أَنْ يُكْثِرُوا مِنْ الدعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ، وَأَنْ يُجَددُوا التوْبَةَ مِنَ الْمَعَاصِي وَالْآثَامِ، وَأَنْ يَكُونُوا عَلَى خَوْفٍ مِنْ عَذَابِ اللهِ وَعِقَابِهِ، وَأَنْ يَسْتَعِيذُوا بِاللهِ مِنْ شَر هَذِهِ الزلَازِلِ وَالْمِحَنِ؛ فَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِي عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: “لَما نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ: ﴿قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ﴾ [الْأَنْعَامِ: 65]؛ قَالَ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ». قَالَ: ﴿أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ﴾ قَالَ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ: «أَعُوذُ بِوَجْهِكَ»، ﴿أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعًا وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ﴾ قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ: «هَذَا أَيْسَرُ» وَفِي رِوَايَةٍ: «هَذَا أَهْوَنُ».

فَانْظُرُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- إِلَى هَدْيِ نَبِيكُمْ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ، وَخَوْفِهِ مِنْ رَبهِ، وَالتعَوذِ بِاللهِ مِنْ هَذَا الْعَذَابِ، مَعَ أَن اللهَ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- قَدْ جَعَلَهُ أَمَنَةً لِأَصْحَابِهِ؛فَقَالَ: ﴿وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ﴾ .

وَتَقُولُ عَائِشَةُ -رَضِيَ اللهُ عَنْهَا- كَمَا فِي الْبُخَارِي: «كَانَ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ ذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ إِن الناسَ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا، رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ، وَإِذَا رَأَيْتَهُ عُرِفَ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةُ، فَقَالَ: “يَا عَائِشَةُ مَا يُؤَمنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ، قَدْ عُذبَ قَوْمٌ بِالريحِ، وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا: “هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا”».   

فَاتقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَاعْتَبِرُوا بِمَا يَجْرِي حَوْلَكُمْ، فَالسعِيدُ مَنْ تَنَبهَ وَتَابَ، وَالشقِي مَنْ غَفَلَ وَاسْتَمَر عَلَى الْمَعَاصِي وَالْآثَامِ، وَإِياكُمْ أَنْ تَأْمَنُوا مَكْرَ اللهِ؛ فَإِنهُ لَا يَأْمَنُ مَكْرَ اللهِ إِلا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ.                                         

 

اللهُم احْفَظْ بِلَادَنَا وَبِلَادَ الْمُسْلِمِينَ مِنَ الزلَازِلِ وَالْمِحَنِ، وَجَنبْنَا وَالْمُسْلِمِينَ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ..

 

 اللهُم أَصْلِحْ أَحْوَالَنَا أَجْمَعِينَ، وَلَا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السفَهَاءُ مِنا، يَا رَب الْعَالَمِينَ وَتُبْ عَلَيْنَا يَا تَوابُ يَا رَحِيمُ. وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ.

وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنهُ هُوَ الْغَفُورُ الرحِيمُ.

الخطبةُ الثانية:

الْحَمْدُ لِلهِ وَكَفَى، وَالصلَاةُ وَالسلَامُ عَلَى رَسُولِهِ الْمُصْطَفَى، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاقْتَفَى.

أَما بَعْدُ:

فَالْوَقْفَةُ الْأَخِيرَةُ مَعَ هَذَا الْمَوْضُوعِ:

فَلْيَعْلَمْ كُل مُؤْمِنٍ أَن مِنْ أَعْظَمِ الْأَسْبَابِ الشرْعِيةِ لِحُدُوثِ الزلَازِلِ الْمُدَمرَةِ، وَالْأَعَاصِيرِ الْقَاصِفَةِ، وَالْحُرُوبِ الطاحِنَةِ، وَالْأَمْرَاضِ الْفَتاكَةِ، وَالْمَجَاعَاتِ الْمُهْلِكَةِ، هِيَ الذنُوبُ وَالْمَعَاصِي قَالَ عَز وَجَل: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ﴾ [الشورَى: 30].

فَاتقُوا اللهَ -عِبَادَ اللهِ- وَقِفُوا عِنْدَ حُدُودِ اللهِ، وَعَظمُوا حُرُمَاتِهِ، وَتُوبُوا مِنَ الذنُوبِ وَالْمَعَاصِي، ثُم اعْلَمُوا -رَحِمَكُمُ اللهُ- أَن مَا يَحِل بِالناسِ مِنَ الْمَآسِي وَالْمَصَائِبِ، وَالزلَازِلِ وَالْكَوَارِثِ، مَهْمَا كَانَتْ شَدِيدَةً مُؤْلِمَةً فَهِيَ -لَا شَك- أَخَف مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ، الذِي تَوَعدَ اللهُ بِهِ كُل الْمُعْرِضِينَ عَنْ شَرْعِهِ، وَعَنْ هَدْيِ نَبِيهِ صَلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلمَ.

قَالَ عَز وَجَل: ﴿وَلَنُذِيقَنهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [السجْدَةِ: 21].

 

هَذَا وَصَلوا وَسَلمُوا عَلَى إِمَامِ الْخَلْقِ وَسَيدِ الْمُرْسَلِينَ، كَمَا أَمَرَكُمْ بِذَلِكَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ، فَقَالَ عَز مِنْ قَائِلٍ عَلِيمٍ: ﴿إِن اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلونَ عَلَى النبِي يَا أَيهَا الذِينَ آمَنُوا صَلوا عَلَيْهِ وَسَلمُوا تَسْلِيمًا﴾ [الْأَحْزَابِ: 56].

 

 

 

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop