مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

الاستدراج بالمعاصي وأثره في التعظيم

الاستدراج بالمعاصي وأثره في التعظيم

قال بعض السلف: إذا رأيت الله يتابع عليك نعمه، وأنت مقيم على معاصيه؛ فاحذره فإنما هو استدراج منه يستدرجك به([1]).

فالاستدراج: (هو أن يعطي الله العبد كل ما يريده في الدنيا؛ ليزداد غيه وضلاله وجهله وعناده؛ فيزداد كل يوم بعدًا من الله تعالى).

ومن آثار المعاصي أنها تُضْعِفُ في القلبِ تعظيمَ الربِّ جلَّ جلالُه، وتضعِفُ وقَارَهُ في قلبِ العبدِ، ولا بدَّ شاءَ أم أبى، ولو تمَكَّنَ وقَارُ اللهِ وعظمتُه في قلبِ العبدِ؛ لما تجرَّأَ على معاصِيه.

وقال تعالى : {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُون}[الأنعام:44].

قَالَ الْحَسَنُ البصري – رحمه الله – : مَكَرَ بِالْقَوْمِ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ؛ أُعْطُوا حَاجَتَهُمْ ثُمَّ أُخِذُوا([2]).

وهذا أشد ما يكون من العذاب، أن يؤخذوا على غرة، وغفلة وطمأنينة؛ ليكون أشد لعقوبتهم، وأعظم لمصيبتهم.

ومراد الله تعالى من هذا هو الإمهال لهم؛ لعلهم يتذكرون الله ويوحدونه ويعظِّمونه؛ فتطهر نفوسهم، فابتلاهم الله بالضر والخير؛ ليستقصي لهم سببي التذكر والخوف؛ لأن من النفوس نفوساً تقودها الشدة، ونفوساً يقودها اللين.

وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ.قَالَ: ” إِذَا رَأَيْتَ اللهَ يُعْطِي الْعَبْدَ مِنَ الدُّنْيَا عَلَى مَعَاصِيهِ مَا يُحِبُّ، فَإِنَّمَا هُوَ اسْتِدْرَاجٌ ” ثُمَّ تَلَا رَسُولُ اللهِ ﷺ: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام: 44]([3]).

وتأمل الآية التالية لهذه الآية {فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِين}[الأنعام:45].

والمراد إنشاء الله تعالى ثناء على نفسه وتعظيماً، وتعليماً لعباده لتعظيمه والثناء عليه؛ لإمهاله لعباده لعلهم يتوبون وينيبون إليه.

وفي الآية تنبيه على أنه يحق تعظيم الله وحمده عند هلاك الظلمة الذين لم يرجعوا إليه في مدة المهلة؛ لأن هلاكهم صلاح للناس، والصلاح أعظم النعم، وشكر النعمة واجب.

وإنما كان هلاكهم صلاحا؛ لأن الظلم تغيير للحقوق، وإبطال للعمل بالشريعة، فإذا تغير الحق والصلاح؛ جاء الدمار والفوضى، وافتتن الناس في حياتهم، وقل توقير الناس وتعظيمهم لربهم، فإذا هلك الظالمون عاد العدل، وهو ميزان قوام العالم، الذي وضعه العظيم الجليل لضبط نظام العالم.

إن هؤلاء الذين استدرجهم ربهم غمرتهم الخيرات والأرزاق المتدفقة، واستغرقوا في المتاع بها والفرح لها – بلا شكر، ولا ذكر، ولا تعظيم وإجلال للمُنْعم – وخلت قلوبهم من الاختلاج بذكر المنعم ومن خشيته وتقواه، وانحصرت اهتماماتهم في لذائذ المتاع واستسلموا للشهوات، عندئذ جاء موعد السنة التي لا تتبدل فكان أخذهم على غرة وهم في سهوة وسكرة.

وتأمل قوله تعالى : {وَمَا أَرْسَلْنَا فِي قَرْيَةٍ مِّن نَّبِيٍّ إِلاَّ أَخَذْنَا أَهْلَهَا بِالْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء لَعَلَّهُمْ يَضَّرَّعُون. ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُون. وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُون}[الأعراف:94-96].

يأخذ الله المكذبين بالبأساء والضراء؛ لعل قلوبهم ترق وتلين وتتجه إلى الله العظيم بالتوقير والإجلال، فإذا لم يستجيبوا أخذهم بالنعماء والسراء، وفتح عليهم الأبواب، وتركهم ينمون ويكثرون ويستمتعون، كل ذلك للابتلاء، حتى إذا انتهى بهم اليسر والعافية إلى الاستهتار والترخص، وإلى الغفلة وقلة المبالاة، وحسبوا أن الأمور تمضي جزافًا بلا قصد ولا غاية، وأن السراء تعقب الضراء من غير حكمة ولا ابتلاء، وأنه إنما أصابهم ما أصاب آباءهم من قبل؛ لأن الأمور تمضي هكذا بلا تدبير؛ أخذهم الله بغتة، وهم سادرون في هذه الغفلة.

وقد يسأل سائل: متى يكون العطاء من الله العظيم استدراجًا؟ ومتى يكون إنعامًا؟

إذا أعطاك الله العظيم لأنك شكرته وحمدته فهذا إنعام؛ لأن الله الجليل وعد بالزيادة لمن شكر؛ فقال: {لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ}[إبراهيم:7]، وأما إذا أعطاك الله العظيم وأنت لا تزال مقيمًا على معاصيك؛ فاعلم أن ذلك استدراج.

وربَّما اغتَرَّ المغتَرُّ وقال إنما يحمِلُني على المعاصِي حسنُ الرجاءِ وطَمَعِي في عَفْوِهِ لا ضعفُ عظمتِه في قلبِي وهذا من مغالطةِ النفسِ؛ فإنَّ عظمةَ اللهِ تعالى وجلالَه في قلبِ العبدِ وتعظيمَ حرماتِه يحولُ بينَه وبينَ الذنوبِ، والمتجرِّؤنَ على معاصِيه ما قَدَرُوه حقَّ قدرِه، وكيفَ يَقْدُرُهُ حقَّ قدرِه أو يعظِّمُه أو يكَبِّرُه أو يرجُو وقارَه ويُجِلُّهُ من يهونُ عليهِ أمْرُهُ ونَهْيُهُ؛ هذا من أمحلِ المحالِ وأبينِ الباطلِ، وَكَفَى بالعاصِي عقوبةً أَنْ يَضْمَحِلَّ من قَلْبِهِ تعظيمُ اللهِ جلَّ جلالُه وتعظيمُ حرماتِه، ويهونَ عليهِ حَقُّهُ.

عظِّم ربك في قلبك؛ يصرف المعاصي وأسبابها عنك.

[1] الجواب الكافي، لابن القيم: 35.

[2] تفسير ابن كثير، ت. سلامة: 3/ 256.

[3] مسند الإمام أحمد، مسند عقبة بن عامر،(17311)، قال الألباني : حديث حسن.

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop