مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

مقالات مشابهة

سلسلة مقالات (موقع تعظيم الله)

رب العالمين

رب العالمين

قال أبو عمران الجوني- رحمه الله- : كان رجل من بني إسرائيل لا يمتنع من شيء؛ فجُهِدَ([1]) أهلُ بيت من بني إسرائيل، فأرسلوا إليه جارية منهم تسأله شيئاً، فقال: لا، أو تمكنيني من نفسك، فخرجت فجُهِدوا جهداً شديداً، فرجعت إليه، فقالت أعطنا فقال: لا، أو تمكنيني من نفسك، فرجعت فجُهِدوا جهداً كثيراً، فأرسلوها إليه، فقال لها ذلك؛ فقالت: دونك، فلما خلا بها، جعلت تنتفض كا تنتفض السَّعْفَة، قال لها: مالك؟ قالت: إني أخاف الله رب العالمين، هذا شيء لم أصنعه قط، قال: أنت تخافين الله، ولم تصنعيه، وأفعله، أعاهد الله أني لا أرجع إلى شيء مما كنت فيه، فأوحى الله إلى نبي من أنبيائهم أن فلاناً أصبح في كتب أهل الجنة([2]).

فالمعظم لرب العالمين يخاف أن يقدم على الذنوب، خصوصاً الذنوب الكبار، ويريه الله ثمرة تعظيمه.

الرَّبُّ: المربِّي الخالق الرازق الناصر الهادي.

والعالمين: كلُّ موجود سوى الله تعالى.

وربوبية الله لخلقه نوعانِ : ربوبية خاصة، و ربوبية عامة.

أما الربوبية الخاصة:

هي ربوبية الله تعالى لأوليائه بهدايتهم إلى الصراط المستقيم بالإيمان والعلم النافع، والعمل الصالح، وفعل الخيرات، وترك المنكَرات، وذلك ملاكُ الأمرِ مع توفيقهم وحفظهم.

 ومن هذا قول موسى عليه السلام: {رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِين}[المائدة:25].

وأما الربوبية العامة

هي خَلْقُه للمخلوقين ومُلكُه لهم، وتدبيره الكَونيُّ لهم، ورزقُه لهم، وهدايتهم لمصالح دنياهم، ونحو ذلك، وهذه شاملة لجميع الخلق مؤمنِهم وكافرهم، ناطقهم وبهيمهم، حيِّهم وجمادهم، ومن هذا قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون}[البقرة:21].

ولما كان من أخَصِّ معاني الربِّ المالك والمدبر والقائم بما يصلح الخلق؛ كان أكثر دعاء الأنبياء والمؤمنين باسمه تعالى “الرب”؛ لأنه أحَقُّ باسم الاستعانة والمسألة، وقد ذكر الله – عز وجل – في كتابه الكريم أن أنبيائه – عليهم الصلاة والسلام – صدَّروا دعاءهم بهذا الاسم الكريم، ومن ذلك قول نوح عليه السلام، {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلاَ تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلاَّ تَبَارًا}[نوح:28]، ومنها دعاء عباد الله الصالحين في قولهم: {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِين}[البقرة:286].

ومنها دعاء النبي ﷺ عند الكرب بقوله: «لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ، لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَرَبُّ الأَرْضِ، وَرَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ»([3]).

وكونه رب العالمين لا يليق به أن يترك عباده سدى هملاً لا يُعَرِّفهم بنفسه ولا بما ينفعهم في معاشهم ومعادهم، وما يضرهم فيها،{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون: 115].

وربوبيته للعالم تتضمَّن تصرفه فيه، وتدبيره له، ونفاذ أمره كلَّ وقتٍ فيه، وكونه معه كلَّ ساعةٍ في شأنٍ، يخلق ويرزق، ويُميت ويُحيي، ويخفض ويرفع، ويُعطي ويمنع، ويُعِزُّ ويُذٍلُّ، ويُصرِّف الأمور بمشيئته وإرادته.

ويستشعر العبدُ من ذكر اسمه: {رَبِّ الْعَالَمِينَ} قيُّومًا قام بنفسه؛ وقام به كلُّ شيءٍ، فهو قائمٌ على كلِّ نفس بخيرها وشرِّها، قد استوى على عرشه، وتفرَّد بتدبير ملكه، فالتدبير كلُّه بيديه، ومصير الأمور كلُّها إليه، فمراسيم التدبيرات نازلة من عنده على أيدي ملائكته بالعطاء والمنع، والخفض والرفع، والإحياء والإماتة، والتوبة والعزل، والقبض والبسط، وكشف الكروب وإغاثة الملهوفين وإجابة المضطرِّين: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن: 29]، لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا مُعقِّب لحكمه، ولارادَّ لأمره، ولا مُبدِّل لكلماته، تعرج الملائكة والروح إليه، وتعرض الأعمال – أول النهار وآخره – عليه، فيُقدِّر المقادير ويُوقِّت المواقيت، ثم يسوق المقادير إلى مواقيتها، قائمًا بتدبير ذلك كلِّه وحفظه ومصالحه.

وقد اقترنت ربوبيته برحمته في قوله تعالى:{رَبِّ الْعَالَمِينَ . الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فوسع سبحانه كل شيء برحمته وربوبيته.

وقد استحق سبحانه وتعالى البركة والمجد؛ لأنه مفيض خيرات الإيجاد والإمداد، ومدبر أحوال الموجودات، بوصف كونه رب أنواع المخلوقات،{تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِين}[الأعراف:54].

وقد حمد الموفقون الله ﷻ  بهذا الاسم؛ فقالوا: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، فشمل حمدهم جميع المحامد التي استحقها رب العالمين؛ لاستحقاقه لجميع صفات الكمال، وأثنى الله ﷻ على العبد الحامد؛ فقال: حمدني عبدي. أي مجدني وأثنى علي بما أنا أهله.

ولابد للعبد الحامد أن يستشعر ذلك عند قراءته للفاتحة تعظيماً لربه ﷻ.

===============ـ

[1] جُهِدَ الناسُ: أصابهم الجدبُ، والجدب: ضد الخصب.

[2] روضة المحبين، ابن القيم: 453.

[3] صحيح البخاري : باب الدعاء عند الكرب، (6346).

الكلمات المفتاحية

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop