مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

محبة الله عز وجل

محبة الله عز وجل

 

قال أبو بكر الكتاني ([1])– رحمه الله- جرت مسألة في المحبة بمكة أيام الموسم؛ فتكلم الشيوخ فيها وكان الجنيد-رحمه الله- أصغرهم سناً، فقالوا: هات ما عندك يا عراقي. فأطرق رأسه ودمعت عيناه ثم قال: عبد ذاهب عن نفسه، متصل بذكر ربه، قائم بأداء حقوقه، ناظر إليه بقلبه، أحرق قلبه أنوار هويته، وصفا شربه من كأس وده، فإن تكلم فبالله، وإن نطق فمن الله، وإن تحرك فبأمر الله، وإن سكت فمع الله؛ فهو بالله، ولله، ومع الله. فبكى الشيوخ، وقالوا: ما على هذا مزيد، جبرك الله يا تاج العارفين([2]).

والله سبحانه فطر عباده على محبته وعبادته وحده، فإذا تركت الفطرة بلا فساد؛ كان القلب عارفاً بالله، محباً له، عابداً له وحده.

وقد ذهب المحبون لله بشرف الدنيا والآخرة؛ فهم مع الله في الدنيا والآخرة كما أخبر رسول الله ﷺ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «المَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ» ([3]).

وقد وصف الله سبحانه نفسه بأنه يحب عباده المؤمنين ويحبونه {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}[المائدة:54]؛ وأخبر أنهم أشد حبا لله: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبًّا لِّلّهِ}[البقرة:165]، ووصف نفسه بأنه الودود: ومعناه: الحبيب.

وأخبر رسول الله ﷺ عن أسباب محبته لعبده وثمرتها؛ فقال : إِنَّ اللَّهَ قَالَ: … وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ “([4]).

واتخذ الله نبيه إبراهيم ﷺ حبيباً قريباً إذا سأله أعطاه، وإذا دعاه أجابه، قال تعالى: {وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلا}[النساء:125]، وقد حقق له ربه ما سأله ودعاه به، وجعل في ذريته النبوة والكتاب.

والأسباب الجالبة للمحبة، والموجبة لها عشرة:

أحدها: قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به.

الثاني: التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض.

الثالث: دوام ذكره على كل حال: باللسان والقلب، والعمل والحال. فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر.

الرابع: إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى، والتسنم إلى محابه، وإن صعب المرتقى.

الخامس: مطالعة القلب لأسمائه وصفاته، ومشاهدتها ومعرفتها. وتقلبه في رياض هذه المعرفة ومباديها.

السادس: مشاهدة بره وإحسانه وآلائه، ونعمه الباطنة والظاهرة. فإنها داعية إلى محبته.

السابع: انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى.

الثامن: الخلوة به وقت النزول الإلهي، لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه. ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة.

التاسع: مجالسة المحبين الصادقين، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقي أطايب الثمر. ولا تتكلم إلا إذا ترجحت مصلحة الكلام، وعلمت أن فيه مزيدا لحالك، ومنفعة لغيرك.

العاشر: مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل.

فمن هذه الأسباب العشرة: وصل المحبون إلى منازل المحبة. ودخلوا على الحبيب. وملاك ذلك كله أمران: استعداد الروح لهذا الشأن، وانفتاح عين البصيرة ([5]).

 

ومن ثمرات محبة الله للعبد: المحبة في قلوب من يعرفه من المؤمنين، والذكر الصالح والثناء الحسن على ألسنتهم.

ومن ثمرات محبة الله للعبد: نجاته من عذابه، سئل بعض العلماء أين تجد في القرآن أن الحبيب لا يعذب حبيبه؛ فقال: قوله تعالى {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ} [المائدة:18].

وقد ادعى قوم محبة الله؛ فأنزل الله آية المحنة: {قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيم} [آل عمران:31]، وفي قوله: {يُحْبِبْكُمُ اللّهُ} إشارة إلى دليل المحبة وثمرتها، وفائدتها. فدليلها وعلامتها: اتباع الرسول ﷺ، وفائدتها وثمرتها: محبة المُرسل لكم.

ومن أفضل ما سُئِل الله عز وجل حبه، وحب من يحبه، وحب عمل يقرب إلى حبه؛ فقد كَانَ الرسول ﷺ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ، اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ، اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ» ([6]).

[1] أبو بكر الكتاني، محمد بن علي بن جعفر ابو بكر الكتاني. أصله من بغداد وجاور بمكة حتى مات بها سنة اثنتين وثلاث مائة.

[2]  روضة المحبين ونزهة المشتاقين، ابن القيم: 408.

[3] صحيح البخاري: باب علامة حب الله عز وجل،( 6168).

[4] صحيح البخاري: باب التواضع، ( 6502).

[5] مدارج السالكين، ابن القيم: 3/ 19.

[6] سنن الترمذي، (3491).

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop