مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

أثر العبادة في تعظيم الله

أثر العبادة في تعظيم الله

قال سفيان الثوري: كان أبو حازم – رحمه الله – يستدين ويسوق البُدن، فقيل له: تستدين وتسوق البُدن؟ فقال: إني سمعت الله يقول: {لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ} [الحج:36]([1]).

فروح العبادة: التعظيم والمحبة. فإذا تخلى أحدهما عن الآخر؛ فسدت.

والعبادة: “تعظيم الله وامتثال أوامره”([2]).

ويتجلى تعظيم الله في أمَّهاتِ العبادة:

فالصلاةُ قائمةٌ على التعظيمِ للهِ عز وجل، فكان – صلى الله عليه وسلم – يستفتحُ الصلاةَ بعباراتِ التعظيمِ والتمجيدِ والإجلالِ للهِ عز وجل، عن عائشةَ وأبي سعيدٍ أن النبيَّ – صلى الله عليه وسلم – كانَ إذا استفتحَ الصلاةَ قال: «سبحانك اللهمَّ وبحمدِك وتبارَكَ اسمُكَ، وتعالى جدُّك ولا إله غيرُك» ([3]). ومعنى: «وتعالى جدُّك» أي: علا جلالك وعظمتك.

وفاتحةُ الكتابِ من أعظمِ ما عُظِّمَ به اللهُ تبارك وتعالى، تأمل ما جاء في الحديثِ: «قسمتُ الصلاةَ بيني وبين عبدي نصفينِ، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبدُ: {الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال الله تعالى: حَمِدني عبدي، وإذا قال: {الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ} قال الله تعالى: أثنَى عليَّ عبدي، وإذا قال: {مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} قال: مَجَّدني عبدي ـ وقال مرةً فَوَّضَ إليَّ عبدي »([4]).

وتأمل قوله” مَجَّدني”، أى عظَّمنى؛ لأن ” مجَّد ” يقتضى الثناء بصفات الجلال، و ” حمد ” يقتضى الثناء بحميد الفِعال، و ” أثنى ” يجمع ذلك كله، وكلها ألفاظ تعظيم لله جل وعلا.

والركوعُ ركن من أركان الصلاة، وهو ركن التعظيم  لله جل وعلا؛ لقولِه – صلى الله عليه وسلم -: «أما الركوعُ فعظِّمُوا فيه الربَّ» ([5]).

أما الحجُّ فإنه من العباداتِ التي يَتَجَلَّى فيها تعظيمُ الربِّ جلَّ جلالُه في كلِّ منسكٍ من مناسكِهِ:

ففي التلبيةِ أعظمُ عباراتِ الثناءِ والتعظيمِ للهِ جل وعلا: «لبيك اللهُمَّ لبيك، لبيك لا شريكَ لك لبيك، إن الحمدَ والنعمةَ لك والملكُ، لا شريكَ لك».

فيقرن العبد بين الملكِ والحمدِ، والملكُ وحدَه كمالٌ، والحمدُ كمالٌ، واقترانُ أحدِهما بالآخرِ كمالٌ، فإذا اجْتمعَ الملكُ المتضمِّنُ للقدرةِ، مع النعمةِ المتضمِّنةِ لغايةِ النفعِ والإحسانِ والرحمةِ، مع الحمدِ المتضمِّنِ لعامةِ الجلالِ والإكرامِ الداعِي إلى محبَّتِه؛ كان في ذلك من العظمةِ والكمالِ والجلالِ ما هو أولى به وهو أهلُه» ([6]).

وفي الطوافُ حولَ البيتِ الذي هو من الحجارةِ، والحجرُ الأسودُ يُقَبَّلُ مع كونِه حجرًا، ورَمْيُ الجِمارِ إنما هو حَجَرٌ يُرمى به حَجَرٌ، فما الذي جعلَ هذا الحجَرَ يُرْمَى، وهذا الحَجَرَ، يُقَبَّلُ، وهذا الحَجَرُ يُطافُ حولَه سِوَى التعظيمِ الخالصِ للهِ تعالى!.

وفي الصيام تعظيم لله سبحانه؛ حيث أضافه الله إلى نفسه إضافة تشريف وتعظيم، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي… ([7]). أي أنه يترك شهوة الجماع والأكل والشرب؛ تعظيما لأمر الله سبحانه وتعالى، وقصد رضائه، وتحصيلاً لأجره.

ومن عِظَم هذه العبادة أنه لم يُعبد أحدٌ غير الله تعالى بها، وأنها بعيدة من الرياء لخفائها؛ ولأن أعمال العباد مناسبة لأحوالهم إلا الصيام؛ فإنه مناسب لصفة من صفات الحق جلا وعلا، وهي صفة الصمدية.

وفي الزكاة تعظيم الله:

فالمال محبوب للنفوس، فمن أخرجه مع حبه له تقرباً إلى الله تعالى؛ كان هذا برهاناً لإيمانه، وتعظيماً لأمر الله، قال تعالى: {وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ}[البقرة:177].

وقال سبحانه وتعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ} [التوبة:60].

فقوله تعالى: (فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ) المقصود منه تعظيم شأن هذا الحكم، والأمر بالوقوف عنده؛ بإخراج حقوق هذه الأصناف من مال الله الذي آتاه؛ تعظيماً لله ولهذه الفريضة.

وتأمل قوله: {قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} [التوبة:24]

وخصَّ بالذكر {وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا}؛ لأنها أرغب عند أهلها، وأحب إلى نفسه، وصاحبها أشد حرصاً عليها ممن تأتيه الأموال من غير تعب ولا كَدّ؛ وهذا العبد المعظم لله؛ قدم محبة الله ورضاه على محبوبات نفسه؛ تعظيماً لله وتعظيماً لأمره.

وكذلك قوله: {وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا} وهذا شامل لجميع أنواع التجارات والمكاسب من عروض التجارات، من الأثمان، والأواني، والأسلحة، والأمتعة، والحبوب، والحروث، والأنعام، وغير ذلك؛ قدمها المعظم لله ولأمره وأخرج زكاتها؛ تعظيماً لله وتعظيماً لأمره.

فلنعظم الله في كل عبادتنا؛ ليتحقق لنا السعادة في جميع مناحي الحياة؛ فمن عظّم الآمر؛ عظّم الأوامر، وعَظُمَ قدره عند مولاه، وزادت قيمته في الحياة.

[1]  تفسير ابن كثير: 5/426.

[2] التوقيف على مهمات التعاريف، للمناوي (498).

[3] أخرجه الترمذي (225)، والنسائي (889).

[4] صحيح مسلم: باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة، ( ٥٩٨) 

[5] مسلم (٤٧٩)

[6] تهذيب سنن أبي داود (١/ ٢٢٤ – ٢٢٩) باختصار.

[7]  صحيح البخاري: بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ} [الفتح: 15]،( 7492).

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop