أركان الإسلام سبيل التعظيم
عَنِ ابْنِ عُمَرَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ((بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ: شَهَادَةِ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، وَإِقَامِ الصَّلاَةِ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ))([1]).
فهذه الخمس هي دعائم الإسلام التي بها ثباته، وعليها اعتماده، وبإدامتها يُعْصَم الدم والمال، وبها يُعَظَّم الله ﷻ.
وأما الركن الأول فهو : ((شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله ﷺ)) وهما مفتاح الإسلام، ولا يمكن الدخول إلى الإسلام إلا بهما؛ ولهذا أمر النبي ﷺ معاذ بن جبل رضي الله عنه، حين بعثه إلى اليمن أن يكون أول ما يدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.
وقد شهد الله تعالى على وحدانيته، وشهد بذلك خواص الخلق وهم الملائكة وأهل العلم، قال تعالى: {شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ}[آل عمران:18].
فعُلِمَ بذلك أن أشرف ما يُعَظَّم به الله هو الشهادة؛ لأنه شهد بها على نفسه، وأشهد عليها خواص خلقه.
وأما الركن الثاني وهو الصلاة، وهي من أمهات العبادات، ولقد حوت هذه العبادة والتي دلت عليها أفعال الرسول ﷺ وأقواله من مظاهر التعظيم التي عرفت مفرقة في أساليب التعظيم التي يقوم بها الناس بعضهم لبعض؛ فالناس يعظِّم بعضهم بعضاً برفع الأيدي، وبالقيام، وبالانحناء، وبالسجود وبالدعاء، وبترداد أقوالهم؛ يفعل الناس ذلك كله في تعظيم ملوكهم ورؤسائهم وأرباب النفوذ فيهم، ولكن لم تجر عادة الناس أن يجمعوا كل تلك الأساليب في تعظيم أحد منهم؛ فشرع الله الصلاة اعترافاً من العبد بعظمة ربه، واستحقاقه للإجلال والتوقير.
وجمع الله في كيفيتها جميع ما تفرق عند الناس من أساليب التعظيم؛ فجعل افتتاحها بإعلان أن «الله أكبر» من كل ما يرون تعظيمه؛ مصحوباً ذلك برفع اليدين معاً.
وجعل النبي ﷺ ركن الركوع ركن التعظيم، ولهذا قال ﷺ: «أما الركوعُ فعظِّمُوا فيه الربَّ» ([2]).
وأما الركن الثالث فهو الزكاة:
وفي إخراج الزكاة إظهارٌ للعبودية لله ﷻ وامتثال وتعظيم أوامره بصَرْف جزْءٍ من المال الذي هو أحَبُّ الأشياء إلى النفس إلى المستحقين لها؛ رحمةً بهم وتعطُّفًا عليهم.
ولمَّا امتنع البعض في زمن الصدِّيق أبي بكر – رضي الله عنه – عن دفْع الزَّكاة بحجَّة موت النبي – ﷺ – أجْمَع صحابة رسول الله على مُحاربة مانعِي الزكاة؛ تعظيماً لأمر الله ﷻ .
وبرز في هذه الفتنة مقام أحسن من عظَّم الله وعظَّم أمره بعد الرسل والأنبياء-قائلاً: “والله لو منَعُوني عناقًا كانوا يؤدُّونه لرسول الله لأُقاتلنَّهم على منْعها؛ إنَّ الزكاة حقُّ المال، واللهِ لأقاتلنَّ مَن فرَّق بين الصلاة والزكاة”.
وأما الركن الرابع: الحج: فجميع مناسك الحج شاهدةٌ على توحيد الله جل وعلا، ويظهر فيها العبد ذلَّه لله وتعظيمه وخوفَه ورجاءه، واستعانته بالله وحده دون سواه.
والحج يربي في النفوس تعظيم شعائر الله؛ قال تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب}[الحج:32].
فالحاج لا يتجرأ على ارتكاب المحظور، فلا يأخذ شيئاً من شعره، ولا يتطيب، ولا يقتل صيداً، ولا يلحد في بيت الله الحرام، {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم}[الحج:25].
وأما الركن الخامس فهو صوم رمضان:
فالصائم يتقرب إلى الله بطاعةٍ عظيمة عنده محبوبة إليه السر فيها بينه وبين عبده أكثر من العلن، يظهر فيها كمال الإخلاص والخشية والمراقبة وجمالها، فالصائم جمَعَ بين جمال الظاهر والباطن فسكنت جميع جوارحه لله، والتزمت أمره وامتلأ قلبه حباً لله وإخلاصاً.
والصائم كلما ازداد معرفةً بالله؛ ازداد قرباً منه وعَظُم أجره؛ لما اجتمع له من فضل الصيام الذي يجزي الله به، وهذه المعرفة التي جعلته يتقن صيامه، ويحسن أعماله ويعبد الله كأنه يراه؛ فيراقبه في سره وخلوته كمراقبته له في علانيته؛ فاستوى سره وعلنه لكمال علمه واعتقاده برؤية الله له، وهذا يثمر له تعظيماً لربه، وحياءً منه، وصلاحاً في جميع أعماله، وتوبة وخشوعاً لله في كل أوقاته.
وبهذا تعلم أن أركان الإسلام جمعها جامع، وسِرْ فيها بروح تحيا بها؛ ألا وهو تعظيم الله ﷻ
[1] صحيح البخاري، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «بُنِيَ الإِسْلاَمُ عَلَى خَمْسٍ»، (8)، ومسلم، باب أركان الإسلام ودعائمه العظام رقم(16).
[2] مسلم (٤٧٩)