مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتابات مشروع تعظيم الله

تعظيم الرب بين نفحة الإيمان ونزغة الشيطان

تعظيم الرب بين نفحة الإيمان ونزغة الشيطان

 

قال ابن القيم- رحمه الله- قال لي شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- «إذا هاش عليك كلب الغنم؛ فلا تشتغل بمحاربته ومدافعته، وعليك بالراعي؛ فاستغث به فهو يصرف عنك الكلب».

فسنةُ المتقين أنهم إذا أصابهم نزغ من الشيطان؛ ليفسد عليهم طاعتهم؛ تذكروا النفحات الإيمانية من أوامر الله ووصاياه، تَذَكُر المعظمين لربهم، المُجلين لجلاله، المستعيذين به؛ لينجيهم من الخواطر الشيطانية؛ ليبتعدوا عنها، وليتمسكوا بالحق، وليعملوا بما تذكروا، فإذا هم بعونه سبحانه ثابتون على هداهم وتقواهم، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُون}[الأعراف:201].

إن مس الشيطان عمى، وإن تذكر عظمة اللّه وجلاله إبصار، إن مس الشيطان ظلمة، وإن الاتجاه إلى اللّه العظيم نور، إن مس الشيطان تجلوه التقوى، فما للشيطان على المتقين المستعيذين بالله العظيم من سلطان.

فالمتقي إذا أحس بذنب، ومسه طائف من الشيطان؛ فأذنب بفعل محرم أو ترك واجب؛ تذكر من أي باب أُتِيَ، ومن أي مدخل دخل الشيطان عليه، وتذكر ما أوجب الله العظيم عليه، وما عليه من لوازم الإيمان، فأبصر واستغفر الله تعالى، واستدرك ما فرط منه بالتوبة النصوح والحسنات الكثيرة؛ فرد شيطانه خاسئا حسيرا، قد أفسد عليه كل ما أدركه منه.

وقد أمر الله رسوله ﷺ أحسن من عظَّم ربه بدفع وسوسة الشيطان بالعوذ بالله العظيم، وهو الالتجاء إليه بالدعاء بالعصمة، أو استحضار ما حدده الله له من حدود الشريعة لدفع نزغاته، قال تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيم}[الأعراف:200]، وقال: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيم}[فصلت:36].

وقد امتثل رسول الله ﷺ لأمر ربه، فكان إذا قام إلى الصلاة يقول: «أَعُوذُ بِاللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ، وَنَفْخِهِ، وَنَفْثِهِ» ([1]) .

فالعوذ به ﷻ تعظيم لقدره، وبرهان على كمال الإيمان.

وقد أخبر سيد المتقين وإمام المعظِّمين عن نفحة الاستغفار التي بها يدفع نزغات الشيطان، عَنِ الْأَغَرِّ الْمُزَنِيِّ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ، قَالَ: «إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِي، وَإِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللهَ، فِي الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ»([2]).

فاستغفار الله ﷻ ممحاة للذنوب وتوقير له وإجلال.

 وأرشد ﷺ عقبة بن عامر إلى نفحات المعوذتين؛ لأنه لن يجد أفضَلَ منهما في التَّعاويذِ والمُنْجياتِ، عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: بَيْنَا أَنَا أَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بَيْنَ الْجُحْفَةِ، وَالْأَبْوَاءِ، إِذْ غَشِيَتْنَا رِيحٌ، وَظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَتَعَوَّذُ بِأَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ، وَأَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، وَيَقُولُ: «يَا عُقْبَةُ، تَعَوَّذْ بِهِمَا فَمَا تَعَوَّذَ مُتَعَوِّذٌ بِمِثْلِهِمَا»، قَالَ: وَسَمِعْتُهُ يَؤُمُّنَا بِهِمَا فِي الصَّلَاةِ([3]).

وإرشاد الله عباده إلى الاستعاذة بالرب العظيم؛ ليستحضروا من صفات اللّه – سبحانه – ما به يدفع الشر عامة، وشر الوسواس الخناس خاصة.

فإضافة الربوبية المتضمنة لخلقهم وتدبيرهم وتربيتهم، وإصلاحهم وجلب مصالحهم وما يحتاجون إليه ودفع الشر عنهم وحفظهم مما يفسدهم هذا معنى ربوبيته لهم، وذلك يتضمن قدرته التامة ورحمته الواسعة وإحسانه وعلمه بتفاصيل أحوالهم وإجابة دعواتهم وكشف كرباتهم.

وإذا كان وحده هو ربنا ومالكنا وإلهنا؛ فلا مفزع لنا في الشدائد سواه، ولا ملجأ لنا منه إلا إليه، ولا معبود لنا غيره؛ فلا ينبغي أن يدعي ولا يخاف ولا يرجى ولا يحب سواه ولا يذل لغيره ولا يخضع لسواه ولا يتوكل إلا عليه؛ لأن من ترجوه وتخافه وتدعوه وتتوكل عليه، إما أن يكون مربيك والقيم بأمورك ومولي شأنك وهو ربك فلا رب سواه أو تكون مملوكه وعبده الحق فهو ملك الناس حقا وكلهم عبيده ومماليكه أو يكون معبودك، وإلهك الذي لا تستغني عنه طرفة عين بل حاجتك إليه أعظم من حاجتك إلى حياتك وروحك، وهو الإله الحق العظيم، إله الناس الذي لا إله لهم سواه.

 فمن كان ربهم وملكهم وإلههم؛ فهم جديرون أن لا يستعيذوا بغيره، ولا يستنصروا بسواه، ولا يلجئوا إلى غير حماة؛ فهو كافيهم وحسبهم وناصرهم ووليهم ومتولي أمورهم جميعا بربوبيته وملكه وإلهيته لهم فكيف لا يلتجئ العبد عند النوازل ونزول عدوه به إلى ربه ومالكه.

 

وتأمل فزع رسول الله عند الكرب لربه العظيم: «كانَ النبيُّ ﷺ يَدْعُو عِنْدَ الكَرْبِ يقولُ: لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ العَظِيمُ الحَلِيمُ، لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ رَبُّ السَّمَوَاتِ والأرْضِ، ورَبُّ العَرْشِ العَظِيمِ» ([4]).

وتأمل لزوم ذكر رسول الله ﷺ لربه العظيم، ليطرد به نزغات الشيطان: «كَلِمَتانِ خَفِيفَتانِ علَى اللِّسانِ، ثَقِيلَتانِ في المِيزانِ، حَبِيبَتانِ إلى الرَّحْمَنِ: سُبْحانَ اللَّهِ العَظِيمِ، سُبْحانَ اللَّهِ وبِحَمْدِهِ» ([5]).

 

[1] سنن أبي داود: باب من رأى الاستفتاح بسبحانك اللهم وبحمدك،( 775). قال الألباني: صحيح.

[2] صحيح مسلم: باب استحباب الاستغفار والاستكثار منه، (2702).

[3] سنن أبي داود: باب في المعوذتين، ( 1463). قال الألباني: صحيح.

[4] صحيح البخاري، (6345).

[5] صحيح البخاري، (6406).

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop