مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتاب/ غرس قيمة تعظيم الله وأثره في الانتفاع بهدايات القرآن

نتائج إهمال غرس تعظيم الله وأثره على الانتفاع بهدايات القرآن

يبين نوح عليه السلام أن سبب إعراض قومه عن توحيد الله وطاعته هو خلو قلوبهم من تعظيم الله وتوقيره، وذلك في سياق الله لخطابه لهم فقال: {مَّا لَكُمْ لَا تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا} [نوح: ١٣]، (أي سبب حصل لكم حال كونكم غير معتقدين لله تعالى عظمةً موجبةً لتعظيمه بالإيمان به والطاعة له… قال مجاهد والضحاك: مالكم لا تخشون لله عظمة)([1]).

ولذلك (قال بشر بن الحارث: لو تفكر الناس في عظمة الله لما عصوا الله)([2]).

ولقد حذر عبد الله بن عمر رضي الله عنهما من مظاهر إهمال غرس تعظيم الله فقال: (لقد رأيت رجالاً يؤتى أحدهم القرآن، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته؛ ما يدري ما أمره ولا زاجره، ولا ما ينبغي أن يوقف عنده منه، ينثره نثر الدقل)([3]).

وحين يهمل غرس تعظيم الله فستظهر آثار سيئة على الفرد والمجتمع ويمكن تقسم تلك الآثار إلى ما يلي:

 

أولاً: آثار عامة منها:

(1) الفصام النكد في المجتمع بين النظرية والتطبيق، بين إعلان تعظيم الله وبين مخالفة أمره واستباحة نهيه.

(2) تصبح العبادات -التي مقصدها تعظيم الله- شعائر صورية يؤدَى ظاهرها ولا أثر لها على النفوس.

(3) تعدد مظاهر الانحراف أمام فتن الشهوات والشبهات، وتعظيم شأن الانحرافات الفكرية، وتبني الدفاع عنها.

(4) تعظيم شأن الدنيا، والتنافس عليها بكل وسيلة.

(5) تفشي أمراض القلوب كالحسد والغل والحقد.

(6) تفك المجتمع وضعف تماسكه؛ حيث يعظم ما لم يعظمه الله من الروابط الجاهلية، والتعصب لها، وسهولة تلقف الانتماء لأي رابطة.

 

ثانيًا: آثار تتعلق بهدايات القرآن:

(1) عدم فهم القرآن:

وقد قال الله: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ۙ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا} [الإسراء: ٨٢]، (قال قتادة: لأنه لا ينتفع به، ولا يحفظه، ولا يعيه)([4]).

  • حرمان لذة تلاوة القرآن:

قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: (لو طهرت قلوبكم ما شبعت من كتاب ربكم)([5]).

 

(2) الصد عن تدبر القرآن وفهم هداياته:

ويكفي في ذلك قوله تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد: ٢٤]، حيث حال موت القلب ومرضه بين العبد وبين تدبر القرآن والانتفاع بهداياته، {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ ۖ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا} [الأنعام: ٢٥].

 

(3) قسوة القلب، وعدم الانتفاع بمواعظ القرآن:

قال تعالى: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا أَعْجَمِيًّا لَّقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ ۖ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ ۗ قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ ۖ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ۚ أُولَٰئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} [فصلت:٤٤]، وقال تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّىٰ إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِندِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا ۚ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد:١٦].

وحذر الله من عاقبة خلو القلب من الخشوع وتعظيم الله فقال: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ ۖ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} [ الحديد: ١٦].

 

(4) ضعف اليقين بوعد الله:

قال الله تعالى: {وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا} [الأحزاب: ١٢].

 

(5) مخالفة أوامر الله، والكسل عند فعلها:

قال الله: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَىٰ يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:١٤٢]، وقال تعالى: {وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلَا يَأْتُونَ الصَّلَاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَىٰ وَلَا يُنفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ} [التوبة: ٥٤].

 

(6) الجرأة على المنهيات، والتحايل على فعلها:

قال الله في وصف المنافقين: {وَإِذَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللَّهِ وَجَاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُو الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَقَالُوا ذَرْنَا نَكُن مَّعَ الْقَاعِدِينَ} [التوبة: ٨٦]، وقال تعالى: {وَمِنْهُم مَّن يَقُولُ ائْذَن لِّي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ} [التوبة: ٤٩]، وقال تعالى: {إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ} [التوبة: ٤٥].

 

السبيل إلى علاج هذه المظاهر هو تعظيم الله:

 حين ذكر الله التوبة من الذنوب جعل الدافع لذلك ذكر عظمته، وإجلال مقامه، فقال سبحانه: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُولَٰئِكَ جَزَاؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}  [آل عمران: ١٣٥ – ١٣٦]، وقال سبحانه: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَىٰ * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَىٰ}  [النازعات: ٤٠ – ٤١].

 وحين ذكر ابن القيم رحمه الله الأسباب المعينة على التوبة -ذكر أن تعظيم الله وهيبته هو المانع من المعصية وهو الدافع للخروج منها- فقال: (يكون باستحضار عظمة الله تعالى، وأنه الجبار المنتقم، لو شاء أن يؤاخذ الناس بذنوبهم لما ترك على ظهر الأرض من دابة، وأنه سبحانه الملك العظيم القدوس، وأنه الرب الكريم المنعم المتفضل، فلا يليق بالعبد أن يعصيه، ولا أن يستعمل نعمه في مخالفته، ولهذا قيل: لا تنظر إلى صغر المعصية، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت. وكلما زاد تعظيم العبد لربه، استحيا منه، وانكفّت نفسه عن معصيته)([6]).

==========

([1]) تفسير أبي السعود، (5/ 398).

([2]) مدراج السالكين، (3/338).

([3]) رواه البيهقي السنن الكبرى، (ح 5496)، والحاكم في المستدرك،(1/35)، وقال: صحيح على شرط الشيخين.

([4]) تفسير الطبري، (11/538).

([5]) الزهد للإمام أحمد، (ح 363)، حلية الأولياء، (2/330).

([6]) مدارج السالكين، (1/423).

الكلمات المفتاحية

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop