مرحباً بكم فى مشروع تعظيم الله

من كتاب: (مدارج السالكين) لابن القيم

عظمة الله تتجلى في (حديث البطاقة)

تأمل حديث البطاقة التي توضع في كفة ويقابلها تسعة وتسعون سِجِلًّا، كل سجل منها مدّ البصر، فتثقل البطاقة، وتطيش السجلات، فلا يعذب.

 

ومعلوم أن كلَّ موحدٍ له مثل هذه البطاقة، وكثير منهم يدخل النار بذنوبه، ولكن السر الذي ثَقّلَ بطاقة ذلك الرجل وطاشت لأجله السجلات: لما لم يحصل لغيره من أرباب البطاقات انفردت بطاقته بالثقل والرزانة.

 

وإذا أردت زيادة الإيضاح لهذا المعنى، فانظر إلى ذِكر من قلبه ملآن بمحبتك، وذِكر من هو معرضٌ عنك غافلٌ ساهٍ مشغولٌ بغيرك، قد انجذبت دواعي قلبه إلى محبة غيرك، وإيثاره عليك، هل يكون ذكرهما واحدًا؟ أم هل يكون ولداك اللذان هما بهذه المثابة أو عبداك أو زوجتاك عندك سواء؟

 

وتأمل ما قام بقلب قاتل المائة من حقائق الإيمان التي لم تشغله عند السياق عن السير إلى القرية وحملته وهو في تلك الحال على أن جعل ينوء بصدره ويعالج سكرات الموت، فهذا أمر آخر وإيمان آخر ولا جرم أن أُلحق بالقرية الصالحة وجُعِل من أهلها.

 

وقريب من هذا: ما قام بقلب البَغِيِّ التي رأت ذلك الكلبَ وقد اشتد به العطش يأكل الثرى فقام بقلبها ذلك الوقت، مع عدم الآلة، وعدم المعين، وعدم من تُرائيه بعملها، ما حملها على أن غررت بنفسها في نزول البئر، وملء الماء في خُفِّها، ولم تَعبأ بتعرضها للتلف، وحملها خُفِّها بفيها وهو ملآن حتى أمكنها الرقي من البئر، ثم تواضعها لهذا المخلوق الذى جرت عادة الناس بضربه، فأمسكت له الخف بيدها حتى شرب من غير أن ترجو منه جزاءً ولا شكورًا، فأحرقت أنوارُ هذا القَدْرِ من التوحيد ما تقدَّم منها من البِغاء فغُفِر لها.

 

 فهكذا الأعمال والعُمّال عند الله، والغافل في غفلة من هذا الإكسير الكيماوي الذي إذا وضع منه مثقال ذرة على قناطير من نحاس الأعمال قلبها ذهبًا، والله المستعان.

الكلمات المفتاحية

جميع الحقوق محفوظه مشروع تعظيم الله © 2022
تطوير وتصميم مسار كلاود
الأعلىtop