بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الواحد الأحد،الفرد الصمد،الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد،أحمده جل شأنه وأشكره على عظيم نعمه الكثيرة بلا عدد،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا ند يرجى منه العون والمدد،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله خير من عظم ربه وصلى وسجد، اصطفاه ربه بالرسالة فبلغها واجتهد،صلى الله على هذا النبي العظيم وعلى آله وصحبه وسلم تسليما ًكثيراً .أمابعد:فاعلموا رحمني الله وإياكم أن خير ما كسبتم من دنياكم تقوى الله،بها يسكن الجَنان،وتُسكن الجِنان يقول ربنا في محكم التنزيل {تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّ} (مريم:63).
يَامَنْ إلَيْهِ جَمِيعُ الخَلْقِ يبتهلوا ..وكُلُّ حَيّ على رُحْمَاهُ يَتَّكِلُ ..
يامنْ نَأَى فرأى ما في القلوب وما..تحت الثَّرى و حِجابُ الليلِ مُنْسَدِلُ
أنت الملاذ إذا ما أزمتٌ شَمِلتْ..وأنت ملجأُ من ضاقت به الحيلُ
أنت المنادى في كلِّ حادثةٍ…أنت الإله وأنت الذُّخْرُ والأملُ
أنت الغياثُ لِمَنْ سُدَّتْ مذاهِبُهُ..أنت الدليلُ لمن ضاقت به السُّبُلُ
إنَّا قصدناكَ والآمالُ واقعةٌ..عليكً والكُلُّ مَلْهوفٌ ومُبْتَهِلُ
فإن غفرتَ فَعَنْ طَوْلٍ وعن كرمٍ ..وإن سَطَوْتَ فَأَنتَ الحَاكِمُ الْعَدِلُ
ياعباد الله
إن خير ما تربى عليه النفس والزوجة والأولاد والمجتمعات،إن خير ما يضمن للأمة أجيالاً ومجتمعات قوية هو أن نعظم الله في القلوب،فو الله ما ضعفت الأمة وما هانت وما لانت إلا يوم أن ضعف في قلوبهم تعظيم الله جل جلاله،هذا الأمر شرعه الله للطفل منذ ولادته فسن لوليه أن يأذن في أذنه اليمنى ويقيم في أذنه اليسرى فيكون أول كلام يسمعه ويلامس أذنه هو كلمة التوحيد كلمة التعظيم لله لا إله إلا الله،وكم من الأمهات اليوم يلدن في مستشفيات الطاقم الطبي فيها من غير المسلمين،أو من الجاهلات بأمور الدين فيمكث الطفل لا يسمع تلك الكلمات المعظمة لقدر الله في قلبه.
ثم أُمرنا أن نأمر أولادنا بالصلاة من سن سبع سنين ولمدة ثلاث سنوات في كل يوم خمس مرات،وتأملوا الفرق بين من يأمر أولاده بالصلاة بعبارات باهتة باردة لا روح فيها ولا تربية وكأنه يؤدي عمل مفروض عليه فيقول لابنه يابني قم للصلاة،وبين آخر فقه المعنى التربوي وراء ذلك واستخدم ذلك الأمر لتعظيم الله في قلوب الأولاد،فعندما يسمع الأذان يقول: بابني هذا ربنا وخالقنا ينادينا، هيا لنجيب نداء الله العظيم، ونحوها من العبارات.
أيها المعظمون لربهم..
هذا نبيكم وقدوتكم يضرب لكم مثلاً للعناية بتعظيم الله في قلوب الفتيان فتعالوا وتأملوا معي عظم هذا المثل: عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا فَقَالَ: ((يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ)) (الترمذي،،ح(3440)[حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ]).
هل تأملتم معي أحبتي كلمات الحبيب صلى الله عليه وسلم وكيف ملأت قلب حبر الأمة من عظمة الله،تأملوا معي إذا نشأت الأجيال وهي تعتقد اعتقاداً جازماً بأن لا يستطيع أحد نفعها إلا بإذن الله ولا يستطيع أحد أن يصيبها بمكروه إلا بإذن الله لكم أن تتخيلوا قوة تلك الأجيال.
فلكل من يسعى لإعادة مجد هذه الأمة نقول له إن الطريق يبدأ من هنا من تعظيم الله في قلوب الأجيال ليكونوا شجعان متوكلين على الله كسلف هذه الأمة،ويذكر لنا ربنا في كتابه مثالاً لتربية الآباء أولادهم على تعظيم الله في وصية لقمان لابنه حيث يقول سبحانه : {يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِنْ تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ} [لقمان:16].
وهاهو يعقوب عليه السلام مع أن المعلومات المتوفرة لديه أن ابنه يوسف مات وانتهى ولا أمل في عودته،يربي أولاده على أنه أمام عظمة الله لا شيء مستحيل فخلَّد الله وصيته لأبنائه في كتابه لتعتبر بها أجيال هذه الأمة حيث قال: {يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (يوسف:87).
ياعباد الله تأملوا كل من حولكم يعيش معظماً لربه فإين نحن منهم إن ربي وربكم يخبر عن ذلك بقوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ } (الحج:18).
الخطبة الثانية :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له،وأشهد أن نبينا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً .
أمابعد:
فاتقوا الله عباد الله واعلموا رحمني الله وإياكم أن تعظيم الله في قلوبنا وقلوب من حولنا تتعدد بفضل الله طرقه وسبله،وعلى رأسها التفكر في خلق الله بدأ من أنفسنا وما حولنا فإن ربي وربكم يخبر عن ذلك السبيل بقوله: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآَيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ*الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ } (آل عمران:190-191).
ومن سبل تعظيم الله في القلوب العلم الشرعي،وأشرفها العلم بالله بأسمائه وصفاته جل في علاه فإن العلم يورث تعظيماً لله تكون من ثماره الخشية من جلاله؛إن ربي وربكم يخبرنا عن ذلك بقوله جل في علاه: { …إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ } (فاطر:28).
ومن تلك السبل معرفة قدرة الله علينا وشدة حاجتنا لجلاله وضعفنا وافتقارنا إلى فضله وهو الغني عنا إن ربي وربكم يخبرنا عن ذلك بقوله: { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ*إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ*وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ } (فاطر:15-17).
ومن السبل لتعظيم الله في القلوب اليقين بأنه لا يستطيع أحد أن ينفعنا أو ينفع أحد من البشر كنفع الله لهم ،وإن منع الله عنهم خيره لا يستطيع أحد من البشر أن يعوضهم إياه إن ربي وربكم يقول: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلَا تَسْمَعُونَ*قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ النَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلَا تُبْصِرُونَ*وَمِنْ رَحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} (القصص:71-73).
ويقول: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَخَذَ اللَّهُ سَمْعَكُمْ وَأَبْصَارَكُمْ وَخَتَمَ عَلَى قُلُوبِكُمْ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِهِ انْظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآَيَاتِ ثُمَّ هُمْ يَصْدِفُونَ*قُلْ أَرَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتَاكُمْ عَذَابُ اللَّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ } (الأنعام:46-47).